وقد يعرض للإنسان فتنة في دينه أيضاً، فيحتاج إلى أن يكون الله عز وجل معه، وأنتم تسمعون قصة يوسف عليه السلام وما عرض له من امرأة العزيز حين تزينت؛ وقالت: هيت لك، وكان في حكم الرقيق في بيت الملك، وهذه سيدته تدعوه إلى المعصية، بل وتهدده إن لم يفعل بالسجن أو الصغار، فهذا موقف شدة، ولأن يوسف قد تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء، فإن الله تعالى يتعرف إليه في هذه الشدة، فيقول: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] .
وكذلك قد يعرض للإنسان مصيبة في شأن دنياه كما عرض لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار، فقال الله عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] وهذا كما قال أحد الشعراء: خذوا إيمان إبراهيم تنبت لكم في النار جنات النعيم فهذا الأمر هو سنة الله عز وجل في أنبيائه وفى أتباعه، فإذا صدقوا في التقرب إليه والتعرف عليه كان الله عز وجل لهم في حال الشدة.
وإنني أضرب لكم في نهاية هذه الكلمة مثلين متقابلين يبينان الفرق بين من تقرب إلى الله وبين من تنكر لله عز وجل: المثل الأول: هو ما حكاه الله عز وجل من قصة يونس عليه السلام: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:140-141] حين أداروا القرعة فوقعت على يونس -عليه السلام- فألقوه في اليم فالتقمه الحوت وهو مليم، يقول الله عز وجل: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143-144] فإنه لما قال: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] قال الله عز وجل: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} [الأنبياء:88] ثم بين تعالى أن هذا ليس خاصاً بيونس بل هو عام لكل من تعرفوا إلى الله عز وجل في الرخاء فقال: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] .