مثل لمن لم يعرف الله في الرخاء

وانظر إلى المثل الآخر المقابل لذلك، وهو مثل فرعون حين أطبق عليه البحر وأدركه الغرق، فحينئذ أدرك فرعون أنه هالك لا محالة، وأدرك أن ما كان له من المال والولد والسلطان والخدم لم يعد ينفعه، فقال: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] قال ذلك بعد فوات الأوان، فجاءه

صلى الله عليه وسلم {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:91-92] .

وفى الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه وقال: حديث حسن صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يقول: كيف لو رأيتني يا محمد وأنا آخذ من حالِّ البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة} وفعلاً بين الله عز وجل مصيره يوم القيامة، فقال: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود:98] وبين مصيره في حياة البرزخ ويوم القيامة في آية أخرى، فقال: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:45-46] .

فيا أيها المسلم، يا أيها العبد الذي يدرك لا محالة أنه معرض لكثير من المصائب والنكبات في نفسه وفى ماله وفى ولده، ومعرض لأن تصيبه مصيبة الموت في كل لحظة، خذ بوصية الصادق المصدوق، الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، فتعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء ليعرفك في حال الشدة.

أما إذا لم تفعل فإن الله عز وجل يتركك حتى لا يبالي في أي واد هلكت، وحينئذ لا ينفعك أن تجأر إليه إذا نزلت بك الشدة وألمت بك المصيبة.

اللهم اجعلنا ممن تعرف إليك في حال الرخاء فتعرفت إليه في حال الشدة، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015