والصنف الثاني من المستضعفين هم: العمال.
والعمال يعانون في مجتمعنا الأمرين، وتصل إليَّ شكاوى مكتوبة وشكاوى هاتفية، يعجب الإنسان من أن رجلاً يؤمن بالله يبلغ به الجشع والطمع والحرص إلى هذا الحد، ومن الناس من يأتي بالعمال، ثم يسرحهم وهو لا يعرف عنهم شيئاً إلا أنه يطالبهم في رأس كل شهر أن يحضروا له خراجاً معلوماً يثقل به ظهورهم وكواهلهم، ربما يصل أحياناً إلى ألف ريال، أو ثمانمائة ريال، أو سبعمائة ريال، فيجهد العامل ويتعب، وقد لا يحصل العامل إلا على ألف ومائتي ريال مثلاً، أو ألف وثلاثمائة، فيأتي لرب العمل النائم المتكئ على أريكته، فيعطيه سبعمائة أو ثمانمائة، ويأخذ هو الذي جهد وعرق جبينه أربعمائة ريال أو ثلاثمائة ريال، فلا يدري أيستخدمها في سكن أم في لباس أم في طعام أم يرسلها لولده، أم ماذا يصنع بها؟ خاصة وأن كثيراً من هؤلاء العمال أصلاً لا يأتي إلا وقد أخذ منه المكتب أو الجهة التي أتت به من هناك، مبلغاً ضخماً بحجة أنه سوف يأتي إلى هذا البلد الرغيد، ويسدد هذا المبلغ سريعاً، فقد يأخذون منه هناك خمسين ألف ريال، أو مائة ألف ريال، ويقولون له: أنت تذهب إلى بلاد غنية، وهناك السكن موفر، وهناك إعاشة، وهناك نقل، وهناك تكييف، والعمل في اليوم ست أو سبع ساعات، والخميس والجمعة إجازة، وكذا وكذا، ويجعلون له الدنيا -كما يقال- ورقاً بلا شوك، ويسلتون عرق جبين هذا المسكين.
فإذا جاء هنا صدم بالواقع، فبعضهم لا يجد عملاً، فيضطر إلى أن يرجع، وقد يرجع على حسابه لأنه لم يكمل المدة، وقد أثقل ظهره الديون التي أضيفت على الفقر الذي كان يظن أنه سوف يزول بمجيئه إلى هذه البلاد، وبعضهم يجلس هنا، ولكنه يجلس يسام ألوان الهوان والخسف، وتسرق جهوده من قبل رب العمل الذي أخذ منه عن طريق النسبة شيئاً ضخماً كبيراً، وبعضهم يماطل ولا يعطيه الراتب، وقد يكون هناك شركات تمر سنة، أو سنتان لم يعطوا العامل مرتباً واحداً.
بعضهم -والله- يبكون بكاء الأطفال بل بعضهم يبلغ به الوقاحة أنه يطلب من العامل أن يوقع على ورق أبيض، فيقول: وقع على هذه الأوراق فيوقع، من أجل ماذا؟ من أجل أن هذا العامل لو اشتكى إلى بعض الجهات كمكتب العمل أو غيره، فيكتب هذا الرجل في الورقة أي شيء يريده، ويقول: إن العامل قد وقع على هذا العقد، والحقيقة أن العامل قد وقع على ورقة بيضاء بسبب الضغط والإكراه، وهذه حالات -أيضاً- كثيرة تصلنا، وتصل شكاوى من هذا القبيل من عدد من العمال أنهم يوقعون على بياض، فلا عناية، ولا رعاية، ولا إعاشة، ولا سكن، ولا خدمة، ولا تكييف، ولا مرتب، وفوق هذا كله يفتقد حتى الخلق الحسن، فلا يخاطب العامل إلا بأبشع الألفاظ، وأحط الألقاب، ويعير ويسب ويغلظ له في القول، ويحتقر، ويزدرى.
فيا أخي: إن هذا العامل إنسان مثلك، خاصة إذا كان مسلماً فله مزيد من الحقوق.
وكنا نطمع أن هذا العامل إذا جاء إلى هذا البلد، تحفظ له حقوقه، وتصان على المستوى الرسمي والشعبي، ويحفظ له قدره، وتحفظ له إنسانيته، وثقوا ثقة كاملة بأنه بقدر ما تؤذون عمالكم يسلط الله عليكم من يؤذيكم، وهذا أمر مشاهد للعيان، فكل إنسان يظلم يبتلى كما قيل: وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالمٌ إلا سبيلى بأظلم فهذا الظالم يبتلى بمن يظلمه، ويسومه الخسف، ويعتدي على حقوقه، ويصادر كرامته وحريته مثلما فعل هو بالآخرين، فالظلم من الذنوب التي يعجل الله بعقابها في الدنيا قبل الآخرة، وهو من حقوق العباد، والظالم ينتظر دعوة المظلوم التي يرفعها الله تعالى فوق الغمام، ويقول: {وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} .
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنمِ وكنا ننتظر أن هذا العامل إذا جاء، يجد البيئة الإسلامية، ويُعلَّم الدين، ويُعَلَّم العقيدة الصحيحة، ويُعّلَّم العبادة الصحيحة، ويُذَكَّر بالله تعالى، فلا يخرج من هذا البلد ما دام مسلماً إلا وقد تشبع بالفهم الصحيح للإسلام، وامتلأ قلبه حباً لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حباً للمؤمنين في هذا البلد، ورغبةً في الخير، وإذا رجع إلى بلده، كان مشعلاً للنور والإضاءة والهداية والدعوة، لكن الواقع الآن بالعكس.
فإن كان العامل كافراً، رجع كما كان أو أشد، سيئ الظن بأهل هذا البلد، فيرجع وقد أخذ صورة سيئة عنهم، وعن أخلاقهم، وعن معاملاتهم، وعن أمورهم، وعن وعن إلخ، وإن كان مسلماً رجع يشتم وينتقد، ولقد رأينا عمالاً في بلادهم وسمعنا أخباراً كثيرة، بل لا أبالغ حين أقول: إن صحفهم في بلادهم تنشر فضائح كثيرة عن مشاكل العمال ومشاكل المستقدمين والخادمات وغير ذلك في هذه البلاد، مما يحصل لهم من أمور حتى إنه في بعض البلاد الآسيوية كادوا أن يصدروا قراراً بمنع إرسال العمالة إلى هذه البلاد نظراً لما لوحظ من سوء المعاملة والقسوة والظلم ومصادرة الحقوق وعدم إيصال مرتباتهم إليهم، فأي أخلاق هذه؟! وأي صورة قدمناها لهؤلاء الذين يعيشون بين أظهرنا؟! والحقيقة أن هذا شيء مخزٍ وتأخر وضياع أن يجلس العامل الكافر في هذه البلاد أربع، أو خمس أو عشر سنوات ثم يرجع ولم يعرف الإسلام، أو يأتي العامل المسلم إلى هذه البلاد، ويرجع كما كان أو أسوأ، بل إن كثيراً من الناس يأتي بالعمال ويتركهم ولا يدري ماذا فعلوا، وقد يتورطون في قضايا مخدرات، وفي جرائم، وفي بيع الخمور، وفي أمور كثيرة؛ خاصة أن الكثير منهم لا يجدون مرتباً، فيضطرون إلى البحث عن الكسب الحرام.
فلنتق الله تعالى في هؤلاء الضعفاء، ولنعلم أنه إن لم تكن الجهات الرسمية -مكتب العمل أو غيره- تستطيع أن تكتشف الألاعيب التي يصنعها أرباب العمل، فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] وسوف ينتقم من كل من تعدى أو ظلم، أو أخذ مالاً بغير حق، أو سرق جهد أحد، أو اعتدى على أحد في نفس أو عرض أو مال، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع! قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصوم وحج، ولكن يأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار} .
فهذا الأوضاع مؤسفة جداً، حيث توجد هذه الآلاف المؤلفة، بل مئات الألوف، حتى إنك في بعض الأحياء وفي بعض الشوارع تستغرب الوجه العربي فيها، فأمرك كما قال المتنبي: ملاعب جنةٍ لو سار فيها سليمان لسار بترجمان ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان ومع ذلك يرجع هؤلاء كما جاءوا بل أسوأ، فيرجعون بانطباع سيء عن هذه البلاد وأهلها، وهذا الانطباع هم يحسبونه على الإسلام، ويظنون أن هذه من تعاليم الدين، وأن هذه ثمرة الإسلام، لأنهم قد لا يقتنعون بالكلام النظري عن أن الإسلام دين حق، ويأمر والعدل، ويأمر بالإحسان، ويأمر بالرفق بالضعيف، فهذا كله قد لا يفهمونه ولا يفقهونه؛ بل قد لا يسمعونه أصلاً، لكنهم أخذوا انطباعاً سيئاً عن التطبيق العملي الفاسد الذي يوجد لدى كثيرين ممن أتوا بهؤلاء العمال لحاجة ولغير حاجة.
ومع الأسف ليس هناك ضوابط حقيقية لاستقدام العمال والخدم والخادمات، وهناك أمور ومشاكل وفضائح روائحها تزكم الأنوف.
فإذا قرأت في الصحف فإنك تجد فيها إعلانات عن استعداد لإرسال الخادمات إلى كل البيوت، وهن خادمات يشتغلن باليوم، فهل هي خادمة أم هي شيء آخر للترويح والتسلية والترفيه؟ هذا الله أعلم به.
وبعض الخادمات يقع عليهن انتهاك الأعراض في البيوت، فالبيت فيه شاب في مقتبل السن، ممتلئ قوة وشباباً وحيوية، وفيه هذه الخادمة وقد تكون شابة غير متزوجة، وقد تكون مسلمة، وقد لا تكون مسلمة -الله أعلم بحالها- فيخرج أهل البيت ويتركونها في البيت، بل أعلم حالات أنهم يخرجون ويتركونها مع هذا الشاب، بل أعلم حالات أن هذه المرأة كان لها زوج في بلدها وتوفي، فأصبحت تتزين وتتجمل وتتطيب كأحسن ما تستعد المرأة لزوجها، ثم يلتقي بها شاب في هذا المنزل على مرأى ومسمع من أبيه وأمه وأخيه وصاحبته وبنيه ولا أحد ينكر ولا يستنكر هذا والعياذ بالله.
فضلاً عن الاغتصاب الذي يقع في كثير من البيوت كالاعتداء على أعراض الخادمات بالقوة من قبل صاحب البيت، أو من قبل أحد الأولاد إلى غير ذلك، فضلاً عن أن كثيراً من البيوت قد يوجد فيها مصانع للخمور يقوم بها الخدم، وكذلك كثير من المزارع، وقد تكون الخادمة أحياناً جعلت من هذا البيت وكراً للدعارة دون علم.
فإحدى الخادمات -مرة من المرات- كان يأتيها رجل ويدخل عندها، وهي تقول: هذا أخي، فمنع أهل البيت دخوله، فجاءت وبكت عند الأم العجوز، وقالت: منعوا أخي وكذا، فقالت العجوز: هذا مفتاح الدور الأرضي- ما يسمى بالبدروم- فإذا جاء افتحي له واجلسي معه، ولا يدري أحد بذلك، وهي تظنه أخاها، وتبين بعد زمن طويل أن هذا المكان تحول إلى وكر للفساد والرذيلة والدعارة، وأن هذه المرأة أصبح يأتيها أعداد وألوان وأصناف من هؤلاء الخدم والعمال ليس لها بهم علاقة إلا العلاقة الحرام والعياذ بالله.
والكلام الذي نقوله عن القسم الأول -عن المرأة- نقوله أيضاً عن العامل ذكراً كان أو أنثى.
أولاً: لماذا استقدمت هذا العامل؟ هل لحق أم لباطل؟ هل لحاجة أم لغير حاجة؟ هل الأمة تحتاج هذا أم أنه عبء على البلاد في اقتصادها وفي أخلاقها وفي أمنها وفي كل شيء؟ ثانياً: هل اخترت المسلم عندما استقدمته أو أنك اخترت الأرخص أو الذي تعتقد أنه أنفع لك بغض النظر عن ديانته؟ ثم لما أتيت به، هل قمت بحقوقه الدينية من تعليمه الإسلام، وتربيته على الأخلاق، وإعطائه الكتب بلغته، وإعطائه ما يمكن أن يساعده في تعلم الإسلام والصلاة وغير ذلك، أم قصرت في حقه؟ ثم هل راقبته في عمله أم لم تراقبه؟ هل تورط في أمور محرمة: أعمال غش، خيانة، فواحش، خمور، دعارة، معاكسات هاتفية غير ذلك، أم أنك تراقبه وهو في مرأى منك؟ ثم هل قمت بحقو