من الضعفاء المرأة

فمن الضعفاء المرأة، فالمرأة في مقام الضعف بالنسبة للرجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] وكثير من النساء هن في موقع قعائد البيوت، ورهائن الجدران، لا يخرجن منها إلا لحاجة لابد منها، أو لضرورة لا مخلص عنها، فتكون تحت هيمنة الرجل وسيطرته وقوامته وظله، فماذا نرى؟ نجد أن الرجل يؤذي المرأة، ويغلظ لها في القول أحياناً، ويقسو عليها ويظلمها، بل قد يضربها، ويكثر من هجرها في الفراش، ويقبح لها في القول، ويمنعها من حقوقها الواجبة لها، ويحرمها من كثير مما تحتاج.

وربما احتاجت المرأة إلى أن تذهب إلى المستشفى، فيمنعها من ذلك، ولو كان بها داء عضال، أو مرض مزمن، أو شيء لا تستطيع أن تصبر عليه إلا أنه يمنعها من ذلك، فإذا أصرت وألحت، وبخها برديء القول، وقبيح الكلام، وهددها بألوان التهديد، فلا يرى لها قدراً ولا قيمة، وكأنه يعاملها بما كانت تعاملها به الجاهلية الأولى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:58-59] فهو إن أمسكها أمسكها على هون في بيته مذلاً لها، مقصراً بحقوقها، مؤذياً لها بالقول والفعل، معتدياً عليها، مانعاً عليها ما يجب، هذا فضلاً عن أن الأكثرية من الناس يمنعون المرأة مما يحتاج إليه الإنسان العادي.

فالإنسان العادي يحتاج إلى قدر من الفسحة، وإلى قدر من التوسعة، وإلى قدر من التلطف خاصة في المناسبات كالأعياد، وبعض الفرص وغيرها، فتجد أن كثيراً من النساء في البيوت يشتكين مر الشكوى، وقد قال سيدنا ونبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم: {لا تضربوا إماء الله} فنهى عن ضرب النساء، وهذا إيماء إلى النهي عن كل ألوان الإيذاء والاعتداء على حقوق المرأة، فإذا كنت تظن أن المرأة ليس لها من يدافع عنها، أو أنها لا تستطيع؛ لأنها إن اشتكت إلى أهلها، هددتها أنت بالويل والثبور وعظائم الأمور، فإما أن تسكت وتصبر على الذل والهوان، وإما أن تشتكي، ويكون هذا سبباً في طلاقها، فإذا كنت تظن أن المرأة في موطن الضعف، وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فتذكر أن الله تعالى هو الذي يدافع عن حقها، وأن المظلوم الضعيف الذي لا يوجد من يدافع عنه في هذه الدنيا يدافع الله تعالى عنه.

وقد يبتليك الله تعالى بعقوبة في دنياك: ضيقاً في رزقك، أو مرضاً في بدنك، أو ضيقاً في صدرك ونفسك، أو رداً لعملك، أو عقوبة في الآخرة -وهي أشد وأنكل- بسبب هذه الضعيفة التي أمسكتها في بيتك على هون، وآذيتها وصادرت حقوقها، واعتديت على إنسانيتها وكرامتها ومكانتها.

فيا أخي المسلم: اتق الله في هذه المرأة التي ولاك الله أمرها، وقد أخذ الله عليك العهد إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، فإما أن تمسكها بالمعروف، وتحفظ لها حقها، وإما أن تسرحها بإحسان معززة مكرمة.

أما إمساك مع الذل والهوان، فهذا ما لم يأذن به الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تضربوا إماء الله فجاءه عمر، وقال: يا رسول الله، ذئرن النساء} أي: كثير من النساء قد اشتكين وارتفعت نفوسهن على الرجال؛ لأنه كما هو مطلوب أن الرجل لا يظلم المرأة، كذلك أيضاً مطلوب أن المرأة لا تظلم الرجل، وكما أن هناك -الآن- جمعيات في الغرب للدفاع عن حقوق المرأة كما يزعمون، فهناك أيضاً عندهم جمعيات جديدة للدفاع عن حقوق الرجل، لأن المرأة قد تعتدي على الرحل أحياناً، وفي إحدى الصحف المحلية -لا بارك الله في تلك الصحيفة- نشرت يوماً من الأيام مقالاً عريضاً: عشر وسائل لقتل الرجال، أعطت المرأة التي تريد قتل زوجها، عشر نصائح تستطيع أن تتوصل بها إلى قتل زوجها.

فـ عمر جاء يقول: {يا رسول الله! ذئرن النساء، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بأن يؤدب زوجته فيما لا يضر بها، فرجعت النساء تشتكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف ببيت آل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم} فالرجل الذي عصاه في يده، ولا يضع عصاه عن عاتقه، ضراب للنساء، هذا ليس محموداً، ولهذا لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في رجل خطبها، قال لها: {أما فلان فضَّراب للنساء} وفي رواية: {أما فلان فإنه لا يضع عصاه عن عاتقه} أي: من كثرة ضرب النساء، وقيل: لأنه ذو أسفار، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاحه والزواج منه، لأن فيه هذه الآفة، وفيه هذا العيب، فليس من الرجولة ولا من المروءة أن تظن -كما يقول بعضهم- أن الأنثى لابد من إذلالها، ولابد من كذا، ولابد من كذا، فتجده يعلق العصا في البيت ليضرب بها زوجه، وقد يضربها لسبب أو لغير سبب، وقد يعتدي عليها بكلام هو أشد من لسع السياط، فيؤذيها في نفسها، ويحقرها، ويسب شكلها، وقد يسب أباها وأمها.

بل تشتكي بعض النساء فتقول: إن زوجها إذا غضب عليها - والعياذ بالله - يشتم العاشر من أجدادها، ولا يترك كلمة بذاءة إلا ألحقها بها، وكثير منهم ربما يطلق عليها التهديد بالطلاق لأدنى سبب، وكلما حصل شيء هدد بالطلاق، أو حلف بالطلاق، أو قال: إن كذا فأنت طالق، وإن ذهبت فأنت طالق، وإن دخلت فأنت طالق، وإن خرجت فأنت طالق! حتى أصبح الطلاق - والعياذ بالله - ملعبة في ألسنة كثير من الناس، وقد يسمع الجيران صراخ الرجل على زوجته، وضجيجه ووعيده، ويراه الأطفال، وهو بهذه الصورة كأنه سبع ضار، وقد احمرت أوداجه، وخرجت عيونه، وارتفع نبضه، وارتفع صوته، وفقد صوابه، فيتعجبون أن أباهم يكون بهذه الصورة التي لم يألفوها ولم يعرفوها، فيتعود الأطفال حينئذٍ على إهانة أمهم؛ لأنهم رأوا الأب يهينها، فيشجعهم ذلك على إهانتها، ويحتقرونها، ولا يعرفون لها فضلاً، وينشئون على العقوق بها؛ فتكون الأم تصطلي بنيران عدة، من جهة نار الزوج الذي لا يعرف لها قدراً، ولا يقيم لها وزناً، ومن جهة أخرى: نار الأطفال الذين تعودوا على انتهاك حقوقها، والإيذاء لها، والاعتداء عليها، وربما لا تجد مصدراً تشتكي إليه، فلا تجد أباً يمكن أن يسمع كلامها، أو أخاً تشتكي إليه، ولو شكت إلى أهلها فربما طلقها الزوج، أو ما أشبه ذلك.

فليعلم المسلم خاصة أن الله تعالى بالمرصاد لكل الظالمين، ومن أظلم الظالمين رجل ملكه الله تعالى امرأة، فكانت عانيةً عنده، وأسيرةً في يده؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم} أي: كالأسيرات في بيوتكم وتحت ملككم، فكان يجب على الرجل أن يتقي الله تعالى في هذه المرأة، فلا يظلمها، بل يعرف لها حقها، فأنصح الإخوة أن يراجعوا هذا الباب، وألا يستجيبوا لنزوات النفس، ودوافع الهوى، وأن يعرفوا أن للمرأة حقاً.

وأنا أعرف أن كثيراً من النساء يصبن بألوان من الآفات والأمراض الظاهرة والخفية، وما ذلك إلا بسبب كثرة اعتداء الرجل عليها، وإهانته لها، وبخسه لحقها، فهو لا يمكنها من السفر، ولا من الذهاب، ولا من الإياب، ولا يسافر بها، ولا تشارك المسلمين في أعمال، ولا في عبادات، ولا في صلوات، ولا تستطيع أن تخرج أحياناً إلى جيرانها، ولا يخرج بها إلى السوق لقضاء حقوقها الضرورية، ولا يذهب هو أيضاً لقضاء هذه الحقوق، ولا يوكل من يقوم بها، ولا يأتي بها، ولا يأذن لها أن تتصل بأحد، ولو بالهاتف إلا قليلاً، وقد يتجمع هذا الشر كله في بيت واحد عند بعض الناس، وأعرف نماذج من هذا النوع، وليس هذا مبالغة، وقد يكون هذا الشر مفرقاً في بيوت كثيرة، فعلى الإنسان أن يعرف أنه موقوف بين يدي الله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] ومما سوف تسأل عنه: ماذا قدمت لأهلك؟ وماذا صنعت لهم؟ وإن من الظلم -أيها الإخوة- بل من أظلم الظلم للزوجة والأولاد أن يهمل الإنسان رعايتهم، ويهمل القيام على شئونهم الدينية، فلا ينصح لهم، ولا يذكرهم بالله، ولا يأمرهم بالمعروف، ولا ينهاهم عن المنكر، بل غايته أنه أحضر لهم أحياناً وسائل الإفساد من تلفزة، وربما فيديو أحياناً، وأشرطة الأغاني والمجلات الخليعة للزوجة وللأولاد وللبنات وغير ذلك، وترك لهم الحبل على الغارب في هذا البيت، وقد يكون في البيت خدم وسائق غير مسلمين وغير ذلك، والأب لا يدري، وآخر من يعلم، وقد منحهم ثقة مفرطة، وترك أمرهم، وهذا لاشك أنه من الظلم، لأنهم بحاجة إلى رعايتهم في أمور دينهم كما هم بحاجة إلى رعايتهم في أمور دنياهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015