ويميل الكثيرون في موضوع الطلاق إلى تفسيره بالأسباب الغامضة، ويربطون الحدث بها، فمثلاً أكثر من رأيت وسمعت من الأزواج المطلقين والزوجات المطلقات، أكثر من سمعت يعزون أيّ تغيير في الحياة الزوجية، أو عزوف من أحد الزوجين عن الآخر أو فراق، يعزونه إلى أحد ثلاثة أسباب: إما الجن أو العين أو السحر.
وهم بهذا يهربون من تحمل المسؤولية، ويقنعون أنفسهم بأنه لا يد لهم فيما جرى، وأن ما جرى محض قضاء وقدر، ليس لهم فيه حيلة ولا اختيار ولا سبب.
ولا شك أن المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، فالإيمان بالقضاء والقدر هو من أركان الإيمان، والمسلم أيضاً يؤمن بالجن، بل ويؤمن بأن الجني قد يتلبس بالإنسي، وهذا جاء في قول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] فأثبت المس في القرآن.
ويؤمن المؤمن- أيضاً- بالعين، وقد جاء في القرآن: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم:51] قال بعض أهل العلم: أي بالعين، وفي الحديث الصحيح: {العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين} وقال عليه الصلاة والسلام: {إنها تُورد الجمل القدر، وتورد الرجل القبر} .
فالعين حق، وكذلك يؤمن المسلم بالسحر، وأنه يقع ويؤثر كما ذكر الله تعالى في القرآن، ولكن الحكم بأن فلاناً وفلانة فيهما عين، أو بأن فلاناً أصابه سحر، أو فلانة أصابها مس، هذا أمر يحتاج إلى تثبت وتأكد، وأقول: اطلعت على حالات كثيرة، يدعي أصحابها الجن، وتبين لي خلافها.
اتصل بي إنسان يوماً من الأيام، فادعى أنه أصابه مس من الجن بالهاتف، فما زلت معه حتى اقتنع هو فعلاً بأن القضية لا تعدو أن تكون نوعاً من التمثيل.
فتاة أيضاً تشعر بأن أهلها معرضون عنها، لا يعطونها قدراً من الاهتمام، فتتظاهر بأنها مصروعة أو ممسوسة، حتى تلفت نظرهم إليها؛ ليقبلوا عليها ويهتموا بها، وقد يكون لسبب آخر.
وأيضاً كثيرون يدعون أن ما أصابهم سحر، وأنا أعلم أن ما أصابهم ليس كذلك، وإنما هو بأسباب أخرى، إما عدم وفاق بين الزوجين، أو لعدم محبة، أو لغير ذلك من الأسباب.
فلا ينبغي أن نصدق من أول وهلة، أن ما بين الزوجين هو سحر أو جن أو عين أو غير ذلك، بل ينبغي أن ندرك أن هناك أسباباً كثيرة، غالباً ما تكون من عدم وفاق بين الزوجين، أو تكون خطأً من أحدهما تجاه الآخر، أو تكون انصرافاً في قلب المرأة عن الزوج، أو في قلب الزوج عن المرأة، وقد لا يبين هذا من أول الأمر، فأيام الزواج الأولى كافية في الحكم، فقد تظن الزوجة أن الزوج يحبها وليس كذلك، ثم بعد فترة يتغير الحال.