قد يقع لأسباب تافهة

في كثير من الأحيان تكون الأسباب تافهة، بل في غمرة الغضب والانفعال تنفلت الأعصاب، خاصة حين يكون الزوج عصبياً لا يملك نفسه، وتكون المرأة أيضاً لا تحسن سياسة الزوج، فربما طلقها -مثلاً- لأنها لم تحسن طهي الطعام؛ أو لأنها أحرقت الثوب حين كوته؛ أو لأنها تأخرت في إيقاظه عن الدوام أو لغير ذلك.

وهذا طلاق يتبعه غالباً الأسف والندم القاتل، فيذهب المطلق عند أبواب العلماء، يلف يمنة ويسرة، ويلتمس المعاذير ويبحث عن مخرج له، فمرة يقول: طلقتها وهي حائض؛ لأنه عصبي، فيقول: أنا طلقت زوجتي عدة طلقات، لكن مرة وهي حائض، ومرة طلقتها في طهر جامعتها فيه، ومرة جمعت لها طلقتين أو ثلاثاً في كلمة واحدةً، ومرة جعلته طلاقاً معلقاً، فقلت: إن خرجت فأنت طالق فخرجت، أو إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق فذهبت إلى غير ذلك.

ومما يذكر ويحكى: أن الفرزدق كان عنده امرأة يحبها اسمها نوار، فطلقها فندم على ذلك ندماً شديداً، فأنشأ يقول: ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار وكانت روضتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار فأصبحت الغداة ألوم نفسي بأمر ليس لي فيه اختيار ثم أراد الفرزدق زوجته، فذهب إلى ابن الزبير يريد أن يراجع زوجته وذهب إلى ولده حمزة؛ ليشفع له عند أبيه، وذهبت نوار إلى زوجة عبد الله بن الزبير تقول لها: بلغي زوجك بأني لا أريد الفرزدق فلا يحاول؛ إنني لا أريده؛ لأنه رجل فيه كذا وكذا، فكان كل ما صنعه حمزة نهاراً من إقناع والده بالشفاعة؛ نقضته زوجته ليلاً، حتى غلبت المرأة، وقرر ابن الزبير أن لا يعود الفرزدق إلى زوجته، فقال الفرزدق يهجو عبد الله بن الزبير ويخاطبه: أما البنون فلم تُقْبَل شفاعتهم وشُفِّعَت بنت مظعون ابن زبانا ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً إلى آخر البيت.

المهم أن ابن الزبير قال للمرأة: إن هذا رجل شاعر، فإني أخاف أن يهجوني، فلو رجعت إليه، فقبلت الرجوع إليه، ثم طلقها مرة أخرى، وأشهد على هذا الحسن البصري وطلاب حلقته، فجاء وهم جالسون فقال: اشهدوا أني قد طلقت زوجتي نواراً، فشهدوا عليه، ثم ندم بعد ذلك.

وهكذا يطلق يوماً ثم يندم يوماً آخر، ولهذا كانت العرب تذم الإنسان المزواج أو الذواق المطلاق، بل جاء في هذا حديث -لكنه لا يصح، في ذم الذواق المطلاق أو المزواج المطلاق، يتزوج بكرةً ويطلق مساء.

إن من الثابت أن الأسباب التافهة المتكررة، هي التي تقوض الحياة الزوجية غالباً، وتجعل استمرارها أشبه بالمستحيل، وتقضي على كل معاني السعادة، فما إن يتذكر الرجل زوجته -مثلاً- وهو غائب عنها أو بعيد، حتى تقفز إلى ذهنه مجموعة من الصور والمشاكسات والمشاكل، وفي النهاية تعطي هذه المشاكل الطرفين قناعةً بأن الطلاق هو الحل، أما المشاكل الكبيرة والمشاكل العويصة المزمنة، فهي أقل تأثيراً وأقل ضحايا.

فغالب الأسباب هي أسباب صغيرة، ولكنها كثيرة تتكرر يومياً، ولهذا يتعجب الكثيرون، لماذا طلق فلان فلانة مع أنه ما حصل شيء؟! هو يحبها، وما نعرف منهم شيئاً!! أمور بسيطة تافهة، ولكن هذه الأمور البسيطة التافهة كثرت، وكما قيل: إن السيل من نقط، حتى آلت إلى مثل هذا الأمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015