في مقابل ذلك، ننظر في هدي الإسلام فنجد عائشة رضي الله عنها تقول كما في صحيح مسلم: {تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، أي عقد عليها وهي بنت ست سنين، ودخل عليَّ وأنا بنت تسع سنين} تقول: {قدمنا المدينة، فأصابتني الحمى فامرق شعري -تمزق شعرها- فتركتها أمها - أم رومان - حتى نبت شعرها ووفى جميمة -كثر شعرها شيئاً ما- قالت: فما راعني إلا وأمي تصرخ بي، وأنا ألعب مع بنات في أرجوحة -هذه أم المؤمنين تلعب وعمرها تسع سنوات في أرجوحة مع مجموعة من زميلاتها، فأمها - أم رومان - تصرخ بها: يا عائشة -فتأتي إليها تقول: فلما أتيت إليها- وأنا لا أدري ما تريد- أخذتني، فإذا بنسوة من الأنصار، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني -غسلن شعرها ورأسها ومشطنها وسرحنها وألبسنها- ثم قلن لي: على اليمن والبركة وعلى خير طائر، فلم أرع إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمنني إليه في الضحى} فهذه أم المؤمنين تتزوج وعمرها تسع سنوات، وكانت خير زوجة لخير زوج صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها.
في مجال الفتيات يأمر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أولياء الأمور: {إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلو تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فيأمر الفتاة وولي أمرها أن يكون مقياسهم وهو من يرضى دينه وأمانته فيزوج، وهذا فيه أمر بالتزويج بمعنى عدم تأخير الزواج، وفيه أمر أن يكون المقياس في اختيار الزوج هو من يرضى دينه وترضى أمانته.
وفي مجال الرجال يأتي عبد الرحمن بن عوف في يوم من الأيام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، وعليه أثر صفرة، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: {مهيم -أي ما شأنك؟! - فيقول: تزوجت يا رسول الله} لقد مكث في المدينة أياماً يضارب في السوق، لأنه تاجر يتقن فن التجارة، ثم يكسب المال ويتزوج بعد ذلك فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: {ما هذا؟ - لأنه وجد الطيب- قال: تزوجت يا رسول الله، قال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال عليه الصلاة والسلام: بارك الله لك! أولم ولو بشاة} أي اصنع وليمة، فخلال أيام يتزوج عبد الرحمن بن عوف! جاءت امرأة في يوم من الأيام -كما في الصحيحين أيضاً من حديث سهل بن سعد - إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وقالت: {يا رسول الله! جئت أهب نفسي لك، فصعد فيها النظر وصوبه -نظر إليها، فكأنها لم ترقه صلى الله عليه وسلم! لأن الجمال بطبيعة الإنسان مطلوب- فقال رجل: يا رسول الله! زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، قال: التمس -اذهب وابحث عن مهر- التمس ولو خاتماً من حديد، فما وجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم أحفظ سورة البقرة وآل عمران وسورة كذا وسورة كذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن} أي: تعلمها هذه السورة وتحفظها إياها، وهذا مهرها الذي تدفعه لها.
إذاً حتى هذا الرجل عندما قال له: {التمس، قال: ما عندي إلا إزاري -أي ما عنده إلا ثوبه، يريد أن يعطيه مهراً للمرأة- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيتها إزارك بقيت لا إزار لك فما تصنع بإزارك، إن لبسَتْه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء} .
إذاً الرجل يشعر بأهمية الزواج والمبادرة فيه إلى حد أنه مستعد أن يتخلى عن نصف إزاره كمهر للزواج، فأين هذا من كثير من الشباب الذين يماطلون في قضية الزواج بكافة الحجج التي هي في كثير من الأحيان قد تكون أوهاماً أكثر مما تكون حقائق؟! يريد أن يتخرج، ثم يبني بيتاً، ثم يكون له محل يضمن له إيراداً طيباً، ثم بعد ذلك يبدأ بالبحث عن المرأة التي قد تستغرق سنوات، وهكذا الفتاة، تقع عندها في كثير من الأحوال نفس التصورات، تنتظر مرة بعد أخرى، تريد أن تتخرج، ثم تريد أن تعمل، وهكذا يتقدم السن بالشباب والفتيات دون زواج.
أما أولياء الأمور فأمرهم شأن آخر، ويعجبني ما قرأته في بعض كتب الأدب، يقولون: إن علياً رضي الله عنه لما ماتت زوجه فاطمة رضي الله عنها اليوم، تزوج في الليل، فقيل له: كيف تزوجت؟! قال: خشيت أن ألقى الله وأنا عزباً!، يشعر أنه وهو يتزوج يقوم بعبادة لله عز وجل، ويمارس شعيرة مقدسة، وليست مجرد قضاء الوطر أو الشهوة الجسدية فحسب.