الإسلام والعلاقة الزوجية

من هنا ندرك جانباً من حكمة الإسلام في حجاب المرأة وسد المنافذ المحرمة -كما أسلفت- الأمر الذي يقوي العلاقات والروابط بين الزوجين، حتى يصبح الرجل عند المرأة ذا مكانة كبيرة، وكذلك المرأة، إلى حد أنه ورد -كما في سنن ابن ماجة وغيره- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن للرجل من المرأة شعبة ليست لأحد} أي أن للرجل عند المرأة مكانة ليست لأحد غيره، حتى أخوها ليس في مكانة زوجها، وإنما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك {حينما قبل لـ حمنة بنت جحش: احتسبي عند الله أخاكِ، فإنه قد قتل، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم قيل لها: احتسبي عند الله زوجك، قالت: واحزناه! وولولت تبكي رضي الله عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن للرجل من المرأة شعبة ليست لأحد} فالعلاقة حميمة قوية وطيدة؛ لأن الإسلام قصر الرجل على المرأة، والمرأة على الرجل.

ومن أبرز المميزات التي توصف بها النساء أنهن قاصرات، أي قصرن طرفهن على أزواجهن، فأصبحن لا يطمحن إلى غيره، وكذلك الرجل قصر طرفه وهمه على ما أحل الله تبارك وتعالى له , وأعرض عما حرم الله، فكان هذا سبب في قوة الارتباط وشدته.

ولذلك ورد في صحيح مسلم حديث فيه عبرة، عن جابر رضي الله عنه {أن النبي صلى الله وعليه وسلم خرج في يوم من الأيام فرأى امرأة في السوق فأعجبته، فدخل عليه الصلاة والسلام إلى بيته، فجاء إلى زينب بنت جحش وهي تشتغل في جلد تصلحه، فدعاها وقضى صلى الله وعليه وسلم حاجته منها، ثم خرج وقال لأصحابه: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه} .

إنه صلى الله وعليه وسلم بذلك يشير إلى أن المرأة بطبيعتها ذات إشارة للرجل، فمشاهدة صورة المرأة بالنسبة للرجل بحد ذاته فيه إثارة حتى ولو كانت محجبة، فكيف إذا كان عندها شيء من السفور أو التبرج أو التعطر أو التغنج أو محاولة العبث بمشاعر الرجال، فحينئذٍ يكون الحل الشرعي هو أن الإنسان يذهب إلى ما أحل الله تبارك وتعالى له: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5-6] .

ففرق أي فرق بين من يرى صورة المرأة، فيركض وراءها، ولا يبالي أذلك حلالاً أم حراماً، وبين إنسان إذا رأى أي أمر يثيره، ويهيج غريزته وعاطفته، فإنه يذهب إلى أهله ويتذكر أن الله سد عليه باب الزنا، وفتح له باب النكاح الشرعي.

ومن جانب آخر أوصى الإسلام الرجل بالمرأة كما أوصى المرأة بالرجل، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: {استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها} وفي الحديث الآخر: {لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر، استوصوا بالنساء} يعني اقبلوا وصيتي فيهن، وأوصوا بعضكم بعضاً بهن، فإنهن بحاجة إلى الوصاية.

وحين يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة بالضلع، فإن هذا من وضوح الإسلام وصراحته في تصوير طبائع النفوس البشرية، فإن هذا يجعل الرجل يدرك أن الحياة الزوجية لا بد فيها من تنغيص، وتكدير، وأن المرأة لا يمكن أن تأتي له على ما يريد، كما أنه هو لا يمكن أن يأتي لها على كل ما تريد، فلا بد أن يقدم هو بعض التنازلات، وتقدم هي بعض التنازلات، حتى تستقر الحياة الزوجية، وتخف فيها المشكلات، وكما نقل الإمام ابن قتيبة، عن بعض الشعراء قولهم في وصف المرأة: هي الضلع العوجاء لست تقيمها ألا أن تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفاً واقتداراً على الهوى أليس غريباً ضعفها واقتدارها يعني بذلك أن المرأة فيها ضعف من جانب، وهو أنها خلقت من ضلع أعوج، أو هي كالضلع كما ورد في بعض الأحاديث، وبالمقابل فيها قوة من جانب آخر، قدرة على احتواء الرجل وعلى غلبته، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: {ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن} يغلبن الرجال فهن أغلب، وهذا جانب قوة.

أتجمع ضعفاً واقتداراً على الهوى أليس غريباً ضعفها واقتدارها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015