العلم الشرعي يعصم الداعية من الانحراف السلوكي

كذلك العلم الشرعي يعصم صاحبه من الانحراف السلوكي، وقد تجد بعض الدعاة منظرين أو نظريين، قد يتحدث الواحد منهم -مثلاً- عن الإسلام وقضايا الإسلام وشئون المسلمين ومشاكل الأمة الإسلامية، وقضايا كثيرة قد يتحدث عنها بكلامٍ جيد، لكن حين تنظر في سلوك هذا الداعية؛ لا تجد سلوك الإسلام كاملاً متمكناً فيه، قد تجد أن هذا الداعية يمشي وهو مسبل ثوبه، حالق لشعر وجهه، تارك للصلاة مع الجماعة، أو مقصر في ذلك، وأنا لا أقول: إن هذه الأشياء لا يمكن أن تقع من مسلم، كلا بل قد يقع المسلم في بعض هذه المعاصي، وهو يعلم أنها معاصٍ أو لا يعلم، لكن المصيبة كل المصيبة، أن تقع من داعية يدعو إلى الله جل وعلا، فهنا لا يمكن أن يُتسامح بحال من الأحوال في داعية إلى الله تعالى يقع في مثل هذه الأمور، لأن الناس يقتدون به في مثل هذا الأمر، ويعتبرون أن ما يفعله حجة -على الأقل- على سبيل التسامح والتساعد، ومن المعروف أن الناس إذا وجدوا أن العالم أو الداعية يقع في أمر؛ فإنهم يلتمسون في ذلك العذر ويتوسعون فيه، ويقولون: لو أن هذا الأمر ممنوعا لما وقع فيه فلان وفلان وفلان! فلا يمكن أن يقول جمهور الناس: إن هذا الإنسان أخطأ، بل بالعكس، جمهور الناس يفرحون بخطأ هذا الداعية أو العالم ليقتدوا به، ولذلك قيل: إذا زل العالِم زلَّ بزلته عالَم.

وكان عمر رضي الله عنه يقول لـ زياد بن حدير: [[أتدري ما يهدم الإسلام؟ قال: لا.

قال: يهدم الإسلام ثلاث: زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين]] فزلة العالم تساهم في هدم الإسلام، ولذلك كثير من الناس اليوم حين تقول له: يا أخي، هذا العمل محرم، والدليل قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك: يا أخي، لو كان حراماً ما فعله فلان وما فعله فلان، فيحتج عليك بفعل فلان وفلان من الناس، ولذلك قال بعض أهل العلم: إن علماء السوء وقفوا في طريق الجنة، يدعون الناس إلى الجنة بأقوالهم ويحذرونهم منها بأفعالهم، فهم قطاع طريق في الواقع وليسو أدلاء، وهذا أمر مشهود، فكم حال خطأ العالم أو الداعية بين الناس وبين ترك المعصية، تأتي إلى إنسان مثلاً يشرب الدخان، فتقول له: يا أخي، التدخين حرام ثبت طبياً ضرره وكل ما ثبت ضرره فهو حرام، ولا ضرر ولا ضرار، وفيه إتلاف للمال، وفيه وفيه، فيقول: يا أخي، هناك عالم في بلد كذا يشرب الدخان، وقد رأيته بعيني، وتأتي إلى آخر فتقول: يا أخي، الغناء فيه من النصوص والوعيد كذا وكذا، وقد أجمعت الأمة على تحريمه فيقول لك: يا أخي، أنا سمعت بأذني العالم فلان يفتي بأن الغناء حلال!! وهكذا تجد أن الناس يلتقطون أي زلة أو غلطة من داعية أو عالم فيتشبثون بها، وهذا لا شك أنه خطأ، بل العكس، إن الإنسان الذي يأخذ زلات العلماء؛ يجتمع فيه الشر كله، فمنهج هؤلاء العامة ليس سليماً، لكن نحن نقول: الداعي إلى الله جل وعلا وطالب العلم، ينبغي أن يكون مستقيماً في سلوكه، فلا يدع للناس فرصة ليتشبثوا بخطأ وقع فيه، حتى لو كان أمراً مباحاً قد يتوسع الناس فيه، فينبغي للداعية أن يتجنب هذا الأمر المباح، حين يكون أمام العامة على الأقل؛ لئلا يعطي للناس فرصة للوقوع في الحرام، بحجة أن فلان فعل ذلك، فطلب العلم الشرعي يعصم الداعية بإذن الله من الوقوع في الانحراف السلوكي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015