من أمثلة الانحرافات المنهجية التي قد يقع فيها الداعية بسبب ضعف العلم الشرعي: تضخيم بعض القضايا على حساب قضايا أخرى، وقد تكون أحياناً قضايا فقهية، والاختلاف في القضايا الفقهية موجود من عهد الصحابة رضي الله عنهم، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يضر مادام هو مبني على الدليل الشرعي، لكن بعض الناس قد يجعلون من الاختلاف في قضية فقهية، مدخلاً للولاء والبراء، فيتولى فلاناً لأنه يوافقه في هذه المسألة الفقهية، ويعادي فلاناً لأنه يخالفه في تلك المسألة الفقهية.
وقد يكون الاختلاف في قضية اجتهادية في الدعوة، فقد تتخذ أنت أسلوباً في الدعوة إلى الله جل وعلا، قد لا يعجبه، مثلاً: أن تستخدم -لا أقول في الدعوة، لكن من ضمن الأعمال والأشياء التي تقوم بها- أنك أحياناً قد تنشد أناشيد معينة فيها معانٍ إسلامية، وهذه الأناشيد هناك من قد يقف منها موقفاً، ويرى أنها لا تجوز.
وتبقى في إطار القضية الفقهية، فنقول: إن من العلماء الكبار، كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، من أفتى بأن هذه كما قالت عائشة رضى الله عنها، لما سئلت عن الشعر، ما هو؟ قالت: هو كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
وكذلك الأناشيد، هي كلام حسنها حسن وقبيحها قبيح، فوفق ضوابط معينة لا إشكال فيها، مثل: السلامة من استخدام الآلات الموسيقية، أو الطبل أو الدف أو غيرها، والسلامة من المعاني السيئة، فبعض الأناشيد الإسلامية الموجودة في الأشرطة، يكون فيها معانٍ صوفية أو شركية أو غيرها، وأيضاً: البعد عن الإكثار من هذه الأشياء، بحيث لا تغلب على الإنسان؛ لأن بعض الشباب يفطرون على الأناشيد ويتغدون أناشيد، ويتعشون أناشيد وينامون أيضاً على الأناشيد!! وهذا ليس سليماً، فالإسراف مرفوض في كل شيء، فالمفروض أن لا تتعدى هذه الأناشيد قدرها، بحيث أنها تزيل السأم والملل في سفر أو إقامة أو غير ذلك فقط، ففي هذا الإطار لا أشكال فيها، لكن هناك من قد يقول لك: أنا لا أرى جواز هذه الأناشيد، ولا إشكال أيضاً فمادام أنك فلا تراها لا تستخدمها أنت، إنما هل ينبغي أن تتخذ موقفاً من فلان؛ لأنه لا يوافقك في هذا الرأي؟! هذه قضية فرعية، ولك اجتهادك فيها، لكن لا ينبغي أن تكون هذه المسألة مدار الولاء والبراء والحب والبغض، وهي قضية -كما ذكرت فرعية.
فالعلم الشرعي الصحيح والفقه العميق، يحمي الإنسان من تضخيم بعض القضايا الفرعية، أو التهوين من بعض القضايا الكلية.
ففي مقابل ذلك؛ تجد بعض الدعاة ربما لا يقبل الحديث في قضايا أصولية مهمة، يقول: هذه تفرق الشمل لو سمع أحداً يتكلم -مثلاً- عن توحيد العبادة، وضرورة إفراد الله جل وعلا بالعبادة، وتحريم عبادة غير الله، وأن ذلك من الشرك الأكبر، الذي بعث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لتحذير الناس منه ونهيهم عنه.
وبالتالي الكلام عن القبوريين، الذين يطوفون بالقبور ويسألون أصحابها، ويدعونهم وينذرون لهم وما أشبه ذلك، وأن هذا شرك بالله جل وعلا، قال: يا أخي اترك هذا الكلام، هذا يفرق الصفوف!! أو سمع آخر يتحدث عن الرافضة -مثلاً- وخطرهم على الإسلام وانحرافهم، قال: دع هذا الكلام، فإنه يفرق الصفوف! إذاً: هناك من يهون بعض القضايا الكبيرة بحجة جمع الصفوف، وهناك من يعظم بعض القضايا الجزئية، فيوالي أو يعادي عليها، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، والعلم الشرعي الصحيح يعصم الإنسان -بأذن الله- من الوقوع في هذا الخطأ أو ذاك.