من العيوب والمثالب التي ينبغي أن يتقيها طالب العلم: ولع البعض بالغرائب.
فبعض الشباب حين يبدأ في الطلب يصبح لديه رغبة في أن يكون عنده تميز يميزه عن الآخرين، أو اطلاع على مسألة ليست عند غيره، هذا أمر فطري عند كثير من الناس، ولذلك كان بعض طلاب الحديث -في الماضي- يولعون بالغرائب، يولعون بالأحاديث الغريبة التي لا توجد إلا عندهم ولو كانت ضعيفة أو موضوعة، المهم أن يكون الحديث غريباً غير موجود عند جميع الرواة.
ولذلك كان أبو يوسف يقول: من طلب العلم بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب.
هذه الصورة قد توجد بأسلوب آخر عند بعض المبتدئين في التفقه، فيكون لديه رغبة في وجود مسائل فقهية ينفرد بها عن غيره في الاطلاع، وهذه المسائل قد يكون قال بها بعض العلماء لا شك، ولا يلزم أن يكون ابتكر هذا القول من عند نفسه، لكن العالم الذي قال بهذه المسألة معذور، لأنه عالم متبحر، ومن حقه حينئذٍ أن ينفرد بقول أو بمسألة أو مسألتين، من الطبيعي أن يكون للفقيه مسائل انفرد بها، وهذا يصنف فيه كتب أحياناً، ولو بحثت في العلماء المشهورين لوجدت كل عالم انفرد بمسائل، لكن الطالب المبتدئ ليس معذوراً أن يأخذ زلة هذا العالم فيتبناها، أو هذا القول الذي انفرد به.
ومن ذلك أنك تجد -مثلاً- بعض الشباب، قد يسمعون قولاً لأحد العلماء في تحريم الذهب المحلق على النساء، مع أن هذا القول قد حكى عدد من العلماء، كـ البيهقي وابن تيمية وابن حجر وغيرهم، الإجماع على خلافه، لكن لبعض العلماء قول آخر في ذلك، هذا العالم هو معذور في تبني هذا القول، لأنه يرى ذلك، لكن طالب العلم المبتدئ كونه يأخذ هذا القول ويتبناه ويدافع عنه وينشره غير معذور.
وكذلك بعض طلاب العلم والمتفقهين قد يسمعون أن هناك قولاً بأن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة لا يشرع ولا يجوز، أو أن الزيادة على خمس تسليمات في التراويح لا يجوز، فيأخذون هذه الأقوال مع أنها أقوال -في نظري- أقرب إلى الشذوذ، وأعود فأقول: العالم الذي قال بها هو معذور بذاته، لأنه عالم متبحر ومتمكن، ولديه علم واطلاع وتمحيص، وهو لم يأتِ ببدع من القول، لكن المبتدئ لا ينبغي له أن يكون حريصاً على تتبع الزلات، فقد قال بعض السلف: من حرص على تتبع زلات العلماء اجتمع فيه الشر كله.
وهذا صحيح، فلو أن كل عالم أخذت منه زلاته لاجتمع فيك الشر كله.