أخيراً من المثالب التي ينبغي أن تتقى: أن بعض الشباب حين يطلع على الأقوال المختلفة والأدلة، ينظر إلى ظواهر بعض النصوص نظرة مباشرة وبسيطة فيخيل إليه أن من خالفوا ذلك الظاهر قد أخطأوا وانصرفوا عن دلالة هذا الحديث، فيتجرأ على العلماء سواء منهم العلماء السابقين أو اللاحقين، فتجده يستعمل أحياناً عبارات لا تتناسب مع مكانة هؤلاء العلماء، أخطأ فلان في هذه المسالة، قد يقول طالب مبتدئ أخطأ الإمام أحمد في هذه المسألة، أخطأ مالك -مثلاً- فيها، حتى لو أديت المعنى بغير هذا الأسلوب فالعبارة غير مناسبة، بل قد تجد بعض الطلاب المبتدئين يقول: وشذ فلان من العلماء في هذا القول، وهذا ليس مناسباً أن تنسب هذا إلى علماء أفذاذ أطبقت الأمة على تلقي علمهم والأخذ عنهم واتباعهم، فينبغي للطالب أن يحرص على معرفة أقدار هؤلاء العلماء، وتعظيمهم، والانتفاع بهم، وعلى أن يمكن ثقة الناس بهم، لا أن ينزعها منهم، وهو في الواقع لن ينزعها بل سوف ينزع ثقة الناس منه هو، حين يتعرض لهؤلاء العلماء، لأننا نشهد لله أن هؤلاء العلماء الذين اتفقت الأمة على اتباعهم في الجملة كالأئمة الأربعة، والثوري والطبري والأوزاعي وأشباههم، أن هؤلاء العلماء ما كانوا يريدون إلا الحق، ويكفي أن تعرفوا القصة التي ذكرها الرازي وغيره عن الإمام الشافعي أنه ذكر حديثاً قال: ثم ذكر حديثاً في مسألة وكان عنده أحد تلاميذه فقال الشافعي: إن هذا الحديث صحيح فقال التلميذ: أتقول به يا إمام؟ أي: أتقول بمضمونه، فغضب الشافعي واحمر وجهه، ونفض يده على تلميذه، وقال: رأيتني خارجاً من كنيسة؟ هل رأيت في وسطي زناراً؟ يعني رأيت علىَّ علامات اليهود أو النصارى، حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح ولا أقول به، والأمر أنهم كلهم يأخذون هذه الأحكام والآراء من الكتاب والسنة، لكن أبى الله أن تكون العصمة إلا لرسوله وأنبيائه، فعلينا أن نعرف لهم قدرهم ونبجلهم ونعظمهم ولا يلزم من ذلك، أن نأخذ أو نقلد إماماً منهم في كل مسألة إلا أن يكون الإنسان عامياً، فالعامي مذهبه مذهب مفتيه، ولا بأس أن يقلد أحد العلماء أمواتاً كانوا أو أحياءً هذا ما أردت بيانه، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والفقه في الدين، وأن يرزقنا العلم النافع والعلم الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه اللهم صلِّ وسلم على عبد ورسولك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.