أتجاوز بعض الأشياء الباقية وانتقل إلى النقطة الرابعة وهي آداب ومناقب: أولاً: المصلي يجب أن يكون قدوة في عمله وقوله وسلوكه، فأولئك المترددون على المساجد هم رمز للهداية، ورمز للتقوى، ورمز للدين والطاعة، فينبغي أن يكون من تعظيمهم لقدر الصلاة أن يحرصوا على أن يكونوا قدوة في أعمالهم وأقوالهم لئلا يؤخذ عليهم شيء.
ثانياً: ينبغي احترام المساجد بتنظيفها وتطييبها وتطهيرها وحفظها وصيانتها، قال الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36] وحماية المساجد من كل ما يتنافى مع العبادة، مثل البيع والشراء فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، بل أمر أن يقال لمن يبيع ويشتري: {لا أربح الله تجارتك} .
ومثله الشعر، فتناشد الأشعار بأن يكون المسجد كأنه منتدى أدبي أو أمسية شعرية للقيل والقال، والأشعار والرد، وأما قراءة الأبيات لمناسبة، فهذا لا بأس به.
ومثله أيضاً رفع الأصوات في المساجد والجدل العقيم، ومثله وضع الصور والرسومات الملفتة للمصلي خاصة في جهة القبلة، لأنها تشغل المصلي، وربما أخذت شيئاً من وقته، ولهذا إذا كان في قبلة المصلي ما يشغل بصره أو في جهة نظره في موضع قيامه وفي موضع سجوده فإنه لا بأس حينئذ لهذا العارض الطارئ أن يغمض عينيه إن كان يحتاج إلى ذلك، وإلا فالأصل ألا يغمض الإنسان عينيه، ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمض عينيه في الصلاة.
ثالثاً: ينبغي للمتردد على المسجد أن يحترم إخوانه من المصلين، بحسن معاملتهم، والهشاشة والبشاشة في وجوههم، والبسمة لهم والسؤال عن أحوالهم، وتجنب ما يحرجهم أو يعنتهم أو يشق عليهم، فقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] .
ومن ذلك أيضاً تجنب أن يطيل الإنسان الصلاة طولاً يشق على من وراءه، أو يطيل القراءة طولاً يشق على من وراءه، وقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً وقال له: {أفتان أنت يا معاذ} وخاصة في صلاة الفريضة لأنها واجبة على الجميع، أما النافلة كما هي الحال في صلاة التراويح والقيام في رمضان فالأمر أوسع؛ لأن النافلة بإمكان الإنسان الذي يشق عليه ذلك كالكبير والمريض وغيرهم، أن يقعد، وبإمكانه أن يصلي ما كتب الله له، ثم يدع ما لا يطيق، ومثله أيضاً مراعاة المصلين في أسلوب الوعظ والحديث، بحيث يتلطف معهم، ويحرص على التسلل إلى قلوبهم بالكلمة الهادئة الهادفة.