المسألة الرابعة: قراءة الفاتحة، وهي ركن للإمام والمنفرد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب} أما المأموم فإن كان الإمام يسكت قرأ الفاتحة، وإلا سكت المأموم وتكفيه قراءة إمامه إن شاء الله تعالى، وفي ذلك أقوال كثيرة هذا أصحها وأرجحها فيما ظهر لي، ولذلك أدلة؛ من أعظمها قول ربنا تعالى في القرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] .
قال بعض المفسرين: أجمع العلماء على أن ذلك في الصلاة، فإذا كان الإجماع على أن هذه الآية نزلت في الصلاة، فكيف نستثني منها الحالة الوحيدة التي يمكن أن يقرأ فيها الإمام والمأموم، وهي ألا يسكت الإمام بعد قراءة الفاتحة؟! فإذا لم يسكت الإمام فعليك أن تسمع وتطيع لما قال الله، فتسكت رجاء أن تدخل في رحمة الله تعالى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأئمة: {يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فعليهم ولكم} فقوله: (يصلون لكم) دليل على أن قراءة الإمام قراءة لمن وراءه، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا} فقوله: {وإذا قرأ فأنصتوا} بعد ما بين ما يقول الإمام، بين ما يقول المأموم، فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، قال المأموم: ربنا ولك الحمد، وإذا ركع الإمام ركع المأموم، فبين ما يجب عليهم جميعاً، وهو الركوع -مثلاً- والوقوف والسجود وغير ذلك.
وبين ما يجب على الإمام دون المأموم، وهو قول: سمع الله لمن حمده، وبين ما يجب على المأموم مع الإمام، وهو قول: ربنا ولك الحمد، ثم قال: {وإذا قرأ فأنصتوا} فدل على أن المأموم مطالب بالإنصات متى شرع إمامه في القراءة حتى لو لم يتمكن من قراءة الفاتحة، وقد جاء في ذلك حديث: {من كان له إمام فقراءته له قراءة} وهذا الحديث جاء عن أنس بن مالك وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وجابر وغيرهم وصححه جماعة من أهل العلم، كالإمام البوصيري والإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين الشيخ الألباني وغيرهم، وضعفه آخرون.
وعلى كل حال فإنه لم يثبت قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت وهو إمام، حتى يتمكن من وراءه من القراءة، ولو كانت قراءة الفاتحة واجبة على المأموم، لسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن المأموم من قراءتها، وقد قال عليه الصلاة والسلام يوماً بعدما انصرف من صلاة الفجر، قال: {ما لي أنازع القرآن؟! لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، فنهاهم قال الزهري: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة} .