يا أهل الجزيرة! كلكم مسئولون عن الإصلاح، فالإصلاح ليس مسئولية العلماء مثلاً، أو الدعاة فحسب كلا! والإسلام كما تعرفون ليس فيه كهنوت، ولا رجال دين، وليس صحيحاً أن كلمة الحق، أو أن الأمر بالمعروف، أو أن المطالبة بالإصلاح، ليس صحيحاً أن هذا الأمر حكرٌ على الشرعيين، كلا! بل الرجل العامي قد يقول كلمة الحق، ويأمر بمعروف، وينهى عن منكر، فضلاً عن أن يكون متعلماً، سواء أكان إعلامياً، أم في مجال التعليم، أم في مجال المال والاقتصاد، أم في مجال الزراعة، أم في مجال الصناعة، إن الجميع مطالبون بالإصلاح.
وليس الإصلاح الذي ننشده هو إصلاح الناس في مجال عباداتهم وشعائرهم التعبدية فحسب، بمعنى إصلاح الناس في المساجد، إن هذا مطلوب ويقوم به العلماء الشرعيون أو كثير منهم، لكن أيضاً المطلوب الإصلاح في مجال المال، والإصلاح في مجال العدالة الاجتماعية، المطلوب الإصلاح في مجال الإعلام، والإصلاح في مجال التعليم، والإصلاح في مجال الزراعة وتصحيح الأخطاء الذي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الناس، طحنتهم الديون والمشاكل والصعوبات التي يلاقونها، والمطلوب التصحيح في مجال التصنيع الذي لا زال المسلمون فيه لا أقول صفراً لكنهم قريب من ذلك.
فالمطلوب إصلاح شمولي يستهدف الأمة في كل مجالاتها ومناحي حياتها، ومن الخطأ أن نظن أن الذين يتكلمون باسم الدين مثلاً، أو باسم الإسلام، أو الدعاة أنهم يملكون ذلك! لا! هم يملكون أن يفتوا بما يصلح أو لا يصح من ذلك، أما مجال التجديد، وتقديم المشورة والنصيحة والوصول إلى المستوى المطلوب، فهذا إنما تقوم به الكوادر المتخصصة من أبناء الأمة المخلصين، أياً كانت مواقعهم، في مجال تخصصاتهم وعلومهم، فلا تظنوا أبداً أن مسئولية البلد، أو مسئولية المجتمع هي في أعناق العلماء فقط، أو في أعناق الدعاة الذين يتكلمون في المجال الشرعي فقط، أو في أعناق خريجي كليات الشريعة، أو حملة الماجستير والدكتوراه في الشريعة، لا، إصلاح البلاد مهمة الكوادر المختلفة في مجال تخصصاتها، والشرعيون جزءٌ من هؤلاء، وكلمة الحق ليست حكراً على فئة بعينها، وواجب الشهادة على الأوضاع بالحق لا بالهوى، هو مسئوليتنا جميعاً.
أيها الأحبة إن الإسلام ليس مجرد نواه أو محرمات، لقد ظن البعض مع الأسف الشديد أن الدعوة هي أن نقول للناس لا يصلح! وكثير من الناس يظنون أن قضية الدعوة هي أن يقال لهم: هذا حرام، التدخين حرام، وشرب الخمر حرام، ومشاهدة الصور العارية حرام، والدشوش حرام، وتكلم دعاة الإسلام وعلماء الإسلام كثيراً في هذا الجانب، حتى ذهبت الظنون كل مذهب بالبعض، وظنوا أن القضية هي قضية أن الإسلام خطوط حمراء، وضع خطوطاً حمراء للناس، فهذا فهم خاطئ! صحيح أن الإسلام جاء بالأوامر وجاء بالنواهي، وفي الإسلام محرمات لا يجوز لأحد أن يقع فيها، ولكن حين يقع فيها الإنسان على سبيل الخصوص بصفته الشخصية، ولم يرتكب الشرك والكفر، فأمره حينئذٍ إلى الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، كما قال الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] وكما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فيمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: أنه يدخل الجنة فقال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق؟! قال عليه الصلاة والسلام: وإن زنى وإن سرق -ثلاث مرات- على رغم أنف أبي ذر} .