الإسلام والعدالة الاجتماعية

الإسلام أيها الأحبة: هو سعادة يعيشها المرء من خلال الانضباط السلوكي العام في المجتمع على طاعة الله تعالى، حيث تخيم عليه السكينة، والطمأنينة، وتزول عناصر الإثارة والتهييج، ويجد الإنسان سبل الإشباع الحلال، ومن وجد الحلال فلا حاجة به إلى الحرام.

الإسلام عدالة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، فابن القبطي وابن عمرو بن العاص كلهم في ميزان العدالة سواء، والظلم حرام حتى لو وقع على كافر فضلاً عن مسلم، فالإسلام عدالة يتساوى فيها الجميع، ويجب أن تحقق للإنسان مطالبه الضرورية، فالإنسان يحتاج -مثلاً- إلى بيت، يجب أن يوفر له بيت، والإنسان يحتاج زوجة، فيجب أن توفر له زوجة، ويعان على التزوج، والإنسان يحتاج وظيفة، فيجب أن توجد له وظيفة، يعمل فيها ويسترزق من خلالها، والإنسان يحتاج إلى رزق له ولمن يعول، فيجب أن يحقق له ذلك.

وقد كان المسلمون في عهد التطبيق الحقيقي الكلي للإسلام يذهبون للإنسان بحقه من الطعام والشراب واللحم وكل ما يحتاجه بالتوزيع بين المسلمين كلهم، فهذا جزء من الإسلام لا يجوز الغفلة عنه.

يظن البعض أن العدالة الاجتماعية في الشيوعية -مثلاً- أو يظن آخرون أن العدالة الاجتماعية في ظل الأنظمة الغربية الرأسمالية -وأنا لست أنكر أن الأنظمة الغربية حققت قدراً من ذلك لا شك فيه- لكننا نعلم أن العدالة الاجتماعية التي جاء بها الإسلام تتضاءل عندها كل ألوان ما يسمى بالعدالة الاجتماعية شرقيةً كانت أو غربيةً، فهي عدالة صارمة لا تميز أحداً، ولا تخص أحداً كبر أم صغر، ارتفع أم نزل، شريفاً أم وضيعاً.

هي عدالة صارمة؛ لأنها جاءت بالنصوص الشرعية القطعية في القرآن والحديث، حتى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأذن للإنسان أي إنسان أن يقتص منه بذاته، كما فعل مع سواد بن غزية ومع غيره، وحتى كان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده خلفاؤه وأصحابه يقيمون ميزان القسط والعدل على كل إنسان، بغض النظر عن منزلته الدينية، وبغض النظر عن منزلته الاجتماعية، وبغض النظر عن نسبه، وبغض النظر عن ماله، وأنتم تعرفون قصة جبلة بن الأيهم الذي كان يطوف فوطئ رجلٌ إزاره فلطمه، فطالب عمر أن يقتص من جبلة بن الأيهم الرجل الشريف الكبير الأمير، ويلطم ذلك الأعرابي وجهه، مثلما لطم هو وجه الأعرابي! لأنها عدالة صارمة حاسمة، لا مجال فيها للعبث والتلاعب والمجاملات والمحسوبيات والخصوصيات، وشريعة الله لا يجوز أن تخضع لأهواء البشر، ولا يجوز أن ندخل فيها الاستثناءات التي تجعلها ظلاً باهتاً، وكلاماً موجوداً في الصحف، وموجوداً في الكتب، لكنه غير موجود في واقع الناس بحال من الأحوال، هذا لا يجوز.

على أقل تقدير يجب أن تعلن كلمة الله، ويجب أن يصدع بكلمة الحق، ويجب أن يبين للناس أن الإسلام هو الدين الكامل في أموره كلها، في عقيدته، وعباداته، وأخلاقه، وأموره الاجتماعية، والمالية، والإعلامية وفي غيرها يجب أن يعلم الناس كلمة الحق على أقل تقدير لئلا يظنوا بالدين الظنون، ولئلا يتحول الناس إلى القناعة بعدالة شرقية أو غربية، ويظنوا أنها هي الحل لمشكلاتهم.

الإسلام دين يحفظ كرامة الفرد والمجتمع، سواء أكان رجلاً فهو محفوظ الحقوق، أم امرأة فهي محفوظة الحقوق أيضاً، وكل ممارسة خاطئة سواءً أتعلقت بالرجال أم بالنساء، فالإسلام منها بريء، ولو كان المسلمون هم الذين يمارسونها ويفعلونها، بل ولو وجد من يبحث عن مسوغ لها بأثر وجده هنا أو هناك، أو آية أو حديث لوى عنقه، وفهمه على غير وجهه، ليسوغ به باطلاً قائماً يضغط على الناس، فيبحثون عما يسوغه.

إن دين الله تعالى بريء من أهواء البشر، والإسلام كرامة تحفظ حقوق الفرد والمجتمع، فلا عدوان على خصوصية الإنسان كائناً من كان، ولا امتهان لكرامته، ولا ظلم ولا هضم، ولا يحق لأحد أن يوقف إنساناً بغير حق، ولا أن يسائله إلا بنص، ولا أن يقتحم عليه بيته، ولا أن يتلصص على خصوصياته ومحادثاته ومراسلاته واتصالاته، إلا وفق شريعة الله تبارك وتعالى، فالإسلام حفظٌ لكرامة الإنسان، وكل ممارسة أو تطبيق أو تنفيذ يخالف ذلك ولو باسم الإسلام، فإن الإسلام لا يرضى ذلك ولا يقره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015