وعلى سبيل المثال: انظر إلى الناس حين يشتغلون بالرياضة، وألوان الألعاب الرياضية، إنهم حينئذ إذا كانت القضية قضية بدن فقط؛ كأنما يربون عجولاً آدمية.
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان ليست إنسانيتك لأنك صاحب جسم كبير أو قوي، فهناك في الحيوانات التي لم تتمتع بالإنسانية ما هو أقوى منك، وأعظم جسداً منك، تجد أن الناس يهتمون بقضية الجسم الاهتمام الكبير، يهتمون بأنواع التغذية، وربما تجد أقل إنسان عنده معرفة أو ثقافة اليوم يستطيع أن يعدد لك أنواع الأطعمة، والأطعمة التي فيها فيتامينات، والأطعمة التي فيها بروتينات، والأطعمة التي فيها دهنيات، ويعرف الأطعمة التي تصلح لهذه الطبقة، والأطعمة التي تصلح لطبقة أخرى، ويعرف الأطعمة تصلح للشتاء، والأطعمة التي تصلح للصيف، وأصبح الناس مختصين.
ثم تنتقل إلى قضية الطبخ، تجد الطبخ أصبح فناً مستقلاً فيه كتب خاصة، بل فيه مدارس ومعاهد مهمتها تعويد الناس على الطبخ، وتطور الأمر حتى أصبح في بعض المستوصفات جناح خاص لتعويد ربات البيوت -كما يقولون- على فنون الطبخ الصحيح.
ننتقل الى الحلويات بأنواعها، والاهتمامات الزائدة بها: حلويات لكل المناسبات.
فهذا اهتمام بالجسم، ليس اهتماماً عادياً، بل اهتمام تحول إلى نوع من العناية الزائدة بالجسم، حتى كأن إنسانية الإنسان في جسده، ثم إذا شعر الإنسان أن هناك خطراً يهدد جسده؛ أصبحت تجد هذا الهم الكبير، ولعل أقرب مثال نضربه ما نعانيه ويعانيه الناس اليوم من قضية المخاوف من الغازات السامة، من الكيماويات وغيرها التي يخشى الناس أن تنزل بهم، أو تحل قريباً من ذلك.
فأصبح الإنسان يعتني عناية كبيرة بتسديد الثقوب والنوافد، بالورق اللاصق وأنواع الشمع والصمغ والستائر وغيرها، ويستخدم كافة الاحتياطات التي فيها وقاية وحماية للإنسان.
أيضاً ليس لنا اعتراض على هذا الأمر، إلا إذا تعدى، حتى أنه حصل حالات وفاة، وأخرج أناس بوسائل الدفاع المدني بسبب سوء استخدامهم لهذه الطرائق.
فالأمر إذا تعدى حده انقلب إلى ضده، يهرب من الموت ويقع في الموت، سبحان الله! {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] إنسان بالغ في إغلاق النوافذ، وتسديد الثغرات والفتحات في البيت ونام، فكانت هذه النومة هي النومة الأخيرة في الدنيا، ما جاءه الموت عن طريق الغاز السام الذي كان يخشاه، إنما جاءه الموت عن طريق شدة الحذر من هذا الغاز السام الذي كان يخشاه.