إن الإيمان الذي يتميز به الإنسان هو سر تكريمه، فهل حرصك وحفاظك على الإيمان في نفسك وأهلك، وولدك كحرصك على حمايتهم من الأمراض والأوبئة، أو كحرصك على توفير المطاعم والمشارب والمآكل والملابس لهم؟ هذا سؤال يطرح نفسه عليك أخي الكريم! خرجت يوماً من الأيام في أحد الأمسيات؛ فوجدت أن الشوارع خالية في الوقت الذي كان كثير من الناس يتخوفون من مثل هذه الأشياء، فسألت نفسي: أين الأطفال الذين كانوا يؤذون الناس في الشوارع؟ أين الفرق الذي كانت تلعب الكرة؟ أين المجموعات التي كانت تكون على جنبات الطريق يمنة ويسرة؟ أين الشلل التي كانت تقضي أوقاتاً طويلة في لهو ولعب وكلام لا فائدة من ورائه؟ لقد ذهبوا، كيف ذهبوا؟! ذهبوا لأن الآباء والأبناء -وبصفة عامة- المجتمع بكافة مؤسساته بدءاً من المؤسسات العليا التي تمارس التوجيه أو التثقيف -كما يقولون- مؤسسات إعلامية، توجيهية تعليمية، ومروراً بالبيت، وانتهاءً بالفرد العادي، أصبح عندهم شعور أن هناك خطراً ينبغي أن يتقوه، ولذلك لجئوا إلى بيوتهم وابتعدوا عن منطقة هذا الخطر.
لكن أين كان هذا الأمر من القضايا الأخرى؟ لأنه يمكن أن يبقى الإنسان حياً ولكنه بدون صلاح، بدون استقامة، فتكون حياته وبالاً عليه.
أيها الإخوة: إن الله تعالى حين تكلم عن الإنسان قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:4-6] .
فالإنسان إذا انحرف وضل، تحول من كونه إنساناً مكرماً عزيزاً إلى كونه أحط حتى من البهائم، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] .
فالإنسان إذا كان سر تكريمه هو التكليف، ومطالبته بالعبودية، ومنحه هذا العقل، إذا أهدر هذه الأشياء وضيعها، وأقبل على دنياه ونسي آخرته؛ أصبحت البهائم أعلى منزلة منه، لماذا؟ لأنها لم تكلف بهذه الأشياء، ولذلك يوم القيامة يقال للبهائم: {كوني تراباً} لكن الكافر يتمنى أن يكون كذلك {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] فلا يستطيع ذلك ولا يملكه ولا يحصل له.
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا حين تتنقل إلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ تنظر كيف تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنسان، وبين كرامة الإنسان ومنزلته، والكلام في السنة النبوية أيضاً يطول، وأعتقد أنه من الصعب جداً حصر الأحاديث التي تحدث النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم فيها عن الإنسان، فهذا باب واسع جداً، لكن تجد على سبيل المثال من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي جاءت بلفظ الإنسان: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة، في رواية مسلم، والحديث أصله متفق عليه، لكن في رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل إنسانٍ تلده أمه على الفطرة} وكذلك قال عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الترمذي: {كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه} أي ما قدر له من العمر والأجل.
ومثله: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري حين ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الشيطان: {وأنه يأتي حتى يخطر بين الإنسان وبين نفسه، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر} وفي حديث أبي داود يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الإنسان ركب على ثلاثمائة وستين مفصلاً، وكل مفصل من هذه المفاصل عليه صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما العبد من الضحى} ركعتا الضحى تجزئان عن ثلاثمائة وستين صدقة مطلوبة منك يومياً.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الجنازة: {وأنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق} والحديث ذكره البخاري في كتاب الجنائز.