القلب له أمراض مثلما للبدن أمراض؛ فكما أنك تتعاهد آفات البدن بالعلاج فكذلك تعاهد آفات القلب.
مثلاً: العجب، يقول سعيد بن جبير رحمه الله كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب التحفة العراقية وهو كتاب مفيد في هذا الباب، يقول سعيد بن جبير: [[إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، ويعمل السيئة فيدخل بها الجنة]] قال ابن تيمية رحمه الله: ذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينيه، ويعجب بها، كلما ذكر شيئاً قال: أنا فعلت.
ويُحكى أن أعرابياً صلى إلى جانب الأصمعي فأحسن صلاته، وأقبل عليها، وخشع وركع، وسجد، وأطال ثم سلم، فتعجب الأصمعي وقال: بارك الله فيك! لقد صليت صلاة رغبةٍ ورهبةٍ، قال: نعم فكيف لو عرفت أني مع ذلك صائم؟! وبعض الناس يعجبون بعملهم والعياذ بالله، فيكثرون من ذكره، والثناء عليه، والتمدح به في المجالس، فكلما جلس أحدهم في مجلس، قال: أنا فعلت كذا، أنا قلت كذا، أنا أنفقت كذا، وبعضهم قد يعلن في الصحف أحياناً والجرائد: المحسن الكبير تصدق بكذا، وفعل كذا، وربما يُدلُ بها على بعض الناس، وإذا كان داعية مثلاً ربما تكلم عن عمله، وأنه جمع من الناس في محاضرة كذا وكذا، وأنه قال كذا، وأنه فعل كذا، وأنه أوذي وصبر، وبعضهم كثيراً ما يقول: أنا سجنت، وتعرضت للبلاء، وأنا مكثت في السجن عدد ما لبث يوسف، وفعل بي كذا، وليست القضية أننا نمنع من هذا الكلام، لا يا أخي، لا تفهمني خطأً، جزاك الله خيراً! لكن أقول: إذا كنت تقول هذا الكلام لغرض صحيح، وقلته مرة أو لمناسبة واتضح أنه في مصلحة فلا حرج، أما إذا كنت تشعر أنك تقوله إعجاباً بهذا العمل، وإدلالاً به وشعوراً بأن هذا العمل هو مهر الجنة، وأنك تستحق به رضوان الله وأنك وأنك!! فحينئذٍ نحن نرفق بك وننصحك، ونقول: لعلك تراجع نفسك في هذا الأمر، وتتقي الله تعالى أن يذهب هذا العمل الذي تعبته هباءاً منثوراً، تجملت به أمام الناس، ومدحت به في الدنيا، نخشى أن يقال يوم القيامة: {اذهبوا للذين كنتم تراءونهم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء} ولذلك يا أخي! راع قلبك.
الأصل أن الحسنة هي سبب لرضوان الله ورحمته الذي به يدخل العبد الجنة، وكذلك السيئة هي سبب لسخط الله الذي يدخل به العبد الناس، وهذا معروف، لكن أحياناً يحصل العكس، أن العبد يعمل الحسنة فيعجب بها، والإعجاب ذنب لا تنفع معه الحسنات والعياذ بالله، إلا أن يتوب العبد منه، خاصّة الحسنات التي تتعلق به، والتي أعجب بها الإنسان.
ولهذا أنتم تلاحظون ظاهرة الانتكاس -والعياذ بالله- الردة وسوء الخاتمة، هل تظن أن عبداً مخلصاً صادقاً طيعاً، قلبه من الله، قريب، وهو من الله تعالى خاشع باكٍ دامع، ثم يقلبه الله تعالى إلى فاجر كافر عنيد ويرتد ويموت على الكفر؟! من صفات الله تعالى العدل والرحمة، والله تعالى أحياناً يتوب على الفاسق عند الموت ويختم له بخير، فالمؤمن الصادق صحيح القلب إلى خير إن شاء الله، والله تعالى يختم له بالخير قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: {احفظ الله يحفظك} فإذا حفظت الله في حال الحياة، حفظك الله حال الموت، يحفظك من الشيطان، ومن الردة، ومن الانتكاسة، وسوء الخاتمة، لكن العيب أنه قد يكون مظهر الإنسان -فيما يظن الناس- صالحاً، لكن إذا أتاه الأجل وافتضح على فراش الموت: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فبانت البينات، وظهرت الحقائق المخفيات في ذلك الموقف الذي ليس فيه مجال للتمثيل والمجاملة والجيلة؛ لأن المجال واضح مكشوف، انكشف الإنسان -والعياذ بالله- وافتضح.
والذين يحملون عللاً قلبية ولا يعالجونها، ولا يدعون الله بالنجاة منها، يفضحهم ربك ويكشفهم ولو بعد حين، ولو ظهروا بمظهر الناصحين الصالحين الصادقين الملتزمين لكن يكتشفون! ولهذا تجد ظاهرة الردة كما ذكرت وكما أسلفت، ولذا لا يوجد إنسان يرتد إلا وتجد عنده جرثومة من قبل، ولعلكم جميعاً تعرفون قصة " القصيمي " الذي كان يجلس مع طلبة العلم ويحفظ، وطالما رآه بعض العلماء وفي إبطه صحيح البخاري، وهو يتردد على مجالس العلماء في هذا البلد، ثم بعد ذلك ارتد وألحد والعياذ بالله، وألف عشرات الكتب التي تنكر وجود الله أصلاً، وتَنَكَّر للدين أيما تنكر، بل تنكر لكل ما يمت إلى الدين بسبب أو صلة والعياذ بالله، وكان على أسوأ حال، نسأل الله العفو والعافية.
لا تقل: سبحان الله يا أخي! القلوب بيد الله جل وعلا! نعم القلوب بيد الله، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} لكن لا تنس أبداً أن القضية هي أن قلب هذا الذي انتكس وانحرف، كان فيه جرثومة العجب، وجرثومة الغرور، ولهذا قالوا عن هذا الرجل قالوا: إنه كان مغروراً معجباً بنفسه، حتى أنه كان يقول كما قرأت في بعض الكتب: ولو أن ما عندي من العلم والفضل يوزع في الآفاق أغنى عن الرسل إذاً: كان الرجل مستكبراً، لم يكن يعبد الله، إنما كان يعبد ذاته، لأن الإنسان أحياناً يرى أن هناك مجالاً لإظهار الخير، وأن هناك مكانة له، فيظهر الخير ليكسب من حوله؛ لأن البيئة طيبة وصالحة مثلاً، لكن حقيقته والعياذ بالله فاسدة، وهذا ينكشف ولو بعد حين، ويفتضح في الدنيا، وإن لم يفتضح في الدنيا افتضح عند الموت.