الوسيلة الخامسة: العناية بأعمال القلوب

من وسائل إصلاح القلوب: العناية بأعمال القلوب وتوابعها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه أحمد وغيره عن معاوية وهو حديث صحيح- قال: {الأعمال كالوعاء، إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه} فأنت يجب أن تعتني بأعمال القلوب الخفية أشد مما تعتني بالأعمال الظاهرة.

ومن أعمال القلوب: محبة الله تعالى، وهي كما قال ابن تيمية: من أعظم موجبات الإيمان وأكبر أصوله وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الدين، فإن كل حركة من الإنسان إنما تصدر عن محبة، إما محبة محمودة أو محبة مذمومة، فمحبة الله تعالى هي أعظم واجبات الإيمان وأكبر أصوله وأجل قواعده، فينبغي للإنسان أن يحب الله تعالى ويمرن قلبه ذلك، ويستدعي محبة الله بالتفكر في آلاء الله وقراءة أسمائه وصفاته والتعرف إلى الله تعالى بكل وسيلة، وعبادته وطاعته، وقد وعد الله تعالى وعداً لا يخلفه، قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: {من تقرب إلي شبراً، تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً، تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة} .

ثانياً: الجهاد، وهو من لوازم محبة الله تعالى، بل هو دليل على كمال المحبة؛ ولهذا قال ربنا جل وعلا: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة:24] فالجهاد من لوازم محبة الله وإيثار الله تعالى على الدنيا، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] فربط بين محبة الله تعالى وبين الجهاد في سبيله جل وعلا، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] فمن أحب الله تعالى جاهد في سبيله، ولم يبال بما يصيبه في ذات الله، فصار يقول: رضيت في حبك الأيام جائرةً فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب بل يستعذب ما يلقى في سبيل الله تعالى ويفرح به؛ لأنه أثر من آثار المحبوب؛ ولذلك فإن الإنسان إذا أحب في الدنيا، وعشق فكل ألم أو تعب في سبيل المعشوق يفرح به ويفتخر؛ لأنه تحمل من أجل فلان، والشعراء شغلونا بالقصائد التي تكلموا فيها عن الذين يلومونهم ويعذلونهم ويعاتبونهم على محبتهم لمخلوق لامرأة، حتى أن بعضهم مثلاً، يتكلمون عن المحبوب وما لا قوا في سبيله، وما أوذوا، وما قيل لهم.

وأشعار قيس وعروة وغيرهم من العشاق كثيرة في هذا الباب، يقول أحدهم: يلومونني في حب ليلى عواذلي على أنني من حبها لعميدُ يقول: لوموا أو لا تلوموا، فأنا قد وقعت في حبها وهويت ذلك، ولا يجد ألماً لذلك، بل يدعو الله تعالى ألاَّ يفارقه حبها أبداً، حتى يقول المجنون: يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا إذاً: في سبيل حب دنيوي وهو حب مخلوق، ويقول آخر: يلومونني في حب عفراء صحبتي وبيعي عليها القلب بيع سماح وما كان هذا منك يوماً سجية ولا هو لربات الهوى بمتاح فقلت دعوني والهوى ما على الهوى إذا ما تغشى القلب بعض جناح تعلق عفراء الفؤاد فملؤه من العشق أنات وطول صياح فما بالك إذا كان حباً لله، إذا أوذي في سبيل الله، أو استهزئ به، أو عُذّب، أو طرد، أو حرم من دنياً، أو مالاً، أو جاه، أو وظيفةً، أو منصبً، أو سلطانً، أو مكان إنه يستعذب ذلك ولا يضيق به ذرعاً؛ لأنه أثر من آثار الحب، كل هذا من الجهاد، سواء كان الجهاد بالقول أو بالفعل وعدم الخوف من أحد في سبيل الله، يقول الله تعالى: {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] بل يفرح الإنسان بالموت في سبيل الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015