واقع الأمة مع الجهاد في سبيل الله

أريد أن أشير في النهاية إلى قضية تتعلق بواقع الأمة في موضوع الجهاد في سبيل الله، واقع الأمة تركت الجهاد تشريعاً وتنفيذاً، إذا كنت قلت لكم: إن الجهاد باق من حيث الشرع، وباق من حيث الواقع العام، فإن الأمة في هذا الوقت بالذات، تركت الجهاد من حيث الشرع، والتشريع، والتنفيذ.

أما من حيث التشريع، فإن الأمة وقَّعت كما ذكرت ميثاق الأمم المتحدة الذي يلغي الجهاد ويعتبر الجهاد جريمة، فكأن المسلمين عطلوا الجهاد تشريعاً، ولا أعتقد أن مسلماً يكذب بوجوبه، لأنه يرتد حينئذٍ، لكن المهم أنهم وقّعوا على هذا الأمر، واعترفوا به على الأقل علانية.

أما من حيث التنفيذ، فإن المسلمين قد آل بهم الضعف، والقلة، والذلة، وغلبة العدو، إلى الحد الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثين عظيمين جليلين.

أولهما: حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو صحيح يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم} لاحظ الحديث {تبايعتم بالعينة} يعني: الربا.

وهذا تعبير نبوي، معناه تعاملتم بالربا، وتحدث ما شئت عن قيام الاقتصاد في البلاد الإسلامية كلها على الربا، هذه واحدة، {ورضيتم بالزرع} الزرع أيضاً نموذج ومثال للدنيا والتعلق بالدنيا، ليس ضرورياً الزرع فقط، الذي يرضى بالزرع، أو يرضى بالتجارة فقط، أو يرضى بالمنصب والوظيفة، {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] {وتركتم الجهاد} تركتموه قولاً وعملاً.

أما قولاً: فحين وافقتم الأمم الكافرة على ميثاقها الظالم الجائر الذي يعتبر الجهاد جريمة، وأنه يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر، وتركتم الجهاد حين ألقيتم السلاح، وقلتم لا جهاد، واشتغلتم بالدنيا، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم.

وقد يقول قائل: أين الأحاديث الدالة على أن الجهاد باق، مع أنه في حديث ابن عمر ذكر أنهم تركوا الجهاد، فنقول: حتى حديث ابن عمر ذكر أن الجهاد باق؛ لأن قوله: {لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم} يدل على أن هذه الحالة من الذل لن تستمر، بل سوف يعقبها رجوع إلى الدين، بما في ذلك إحياء لشعيرة الجهاد، ومن الجهاد: القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015