الجهاد ينقسم باعتبار من يقع عليهم الجهاد إلى أقسام: أولاً: جهاد النفس: بتعلم العلم، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على ذلك، أربع مراحل: العلم، ثم العمل، ثم الدعوة، ثم الصبر، وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى تربية، وجهود، هذا نوع.
النوع الثاني: جهاد الشيطان: بعصيان وسوسته، ومخالفة أمره.
النوع الثالث: جهاد الكفار، وهذا ظاهر.
النوع الرابع: جهاد الفساق والظالمين: وهذا يكون بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله عز وجل فهو نوع من الجهاد.
النوع الخامس: جهاد المنافقين: وهذا يكون بكشف ألاعيبهم، وفضحهم وبيان مؤامراتهم؛ لأنهم يبغون في المسلمين غائلة السوء، ويخططون، ويتآمرون للقضاء على الإسلام، فلابد من جهاد المنافقين فهذه نماذج من أنواع الجهاد باعتبار من يقع عليه.
فهل يصح أن نتجاهل جهاد المنافقين، ونتفطن إلى جهاد الكفار؟ مع أن جهاد الكفار هو في موقع واحد أو موقعين أو ثلاثة، لكن جهاد المنافقين في كل مكان، أستطيع أن أقول لكم: لا يكاد يوجد في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، لا بلد، ولا مدينة، ولا قرية، بل ربما أحياناً ولا مؤسسة، إلا ويوجد فيها منافقون يسعون لتوجيه هذا البلد، أو هذه الدولة، أو تلك المؤسسة، أو المدرسة إلى الوجهة التي تخدم أغراضهم، فيخططون، ويتآمرون، وهذا أمر ملموس، فمن لهؤلاء المنافقين، كيف نتجاهل هذه الثغرات المفتوحة في كل مكان؟! مثلاً: جهاد المنافقين من خلال أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي، فإنهم أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي فيها جهاد الكفار وفيها جهاد النافقين، نستطيع أن نقول ذلك، فجهاد الكفار من أبرز صوره -مثلاً- ما يمكن أن يسمى اليوم -بما يعبرون عنه- بالبث المباشر؛ لأنه عبارة عن بث من قبل الدول الكافرة إلى البلاد الإسلامية، فهو يعني جهد إعلامي من الكفار يحتاج إلى مقابلة من المسلمين، لكن هذا الجهد حتى الآن لم يحدث بصورة واضحة، صحيح إنه يقال أنه يوجد في بعض دول المغرب العربي، لكنه لا يزال حتى الآن خوف وقلق أكثر منه حقيقة واقعية، إنما الحقيقة الواقعة منذ عشرات السنين هي أن المنافقين في كثير من بلاد العالم الإسلامي، استطاعوا أن يتسللوا إلى أجهزة الإعلام، ويجعلوا منها أبواقاً لحرب الإسلام، كم من مسرحية -مثلا- قدموها للاستهزاء بالمشايخ والعلماء، أو ما يسمونهم بالملالي جمع ملا، ورجال الدين كما يعبرون، وتصويرهم بأنهم عبارة عن مجموعة من الدراويش، والجهلة، والأغبياء، وفي نفس الوقت يقدمون الفنانين، والمطربين، وأهل الرياضة، وغيرهم على أنهم هم القدوة، وهم الأبطال، الذين يقتدي بهم الجيل.
وكم من منافق تسلل من خلال هذه الأجهزة، ليسمع المسلمين والمسلمات كلام الفحش، والزور، والخنا، ويربي شباب المسلمين وفتياتهم على عبارات العشق والغرام، وبحيث يصبح لا هَمّ لهم، إلا ترديد مثل هذه الكلمات، والحديث عن قضية اللقاء، وحسرة الوداع، وصفات المحبوبة، وكيفية اللقاء بها، وإلى غير ذلك، حتى مسخوا الأنظمة الموجودة في بلاد المسلمين، وغيروا أوضاع المسلمين، وقلبوها رأساً على عقب.
أصبح في كثير من البلاد لا مانع للمرأة أن تخرج بمفردها، وتسافر بمفردها، أو تخرج مع رجل أجنبي، وتكشف شعرها، أو جزءاً من بدنها، أصبح هذا أمراً عادياً، وقد رأيناه في بلاد المسلمين، وقد رأيت بعيني في بلد إسلامي هائل، فيه أكثر من مائه مليون مسلم، الولد يلبس بنطلوناً تحت الكعب، والبنت تلبس ثوباً إلى الركبة، هذا لباس رسمي يذهبون به إلى المدرسة، عدا الأشياء العادية، العجب من هذا اللباس الرسمي فالولد يذهب إلى المدرسة بالبنطلون تحت الكعب، والبنت تلبس ثوباً إلى الركبة، فإن كانت من الورعات، أو كانت من بنات الناس الذين يقال إنهم من أهل الخير، فتنزل الثوب إلى نصف الساق، هذا رأيناه بأعيننا في بلاد الإسلام، مئات الملايين تربت على هذه التقاليد والأخلاق.
إذاً: من لهؤلاء المنافقين الذين تسللوا إلى كل بيت، وإلى كل عقل ومخ، وإلى كل قلب، وإلى كل أسرة، وإلى كل مكان؟! من لهم؟! أين نحن؟! كيف نتفطن إلى قضية جهاد الكفار عن طريق -مثلاً- ما يسمى بالبث المباشر، ونغفل أو ننسى قضية جهاد المنافقين والفاسقين الذين هم منذ سنين طويلة يهيمنون على مثل هذه الأجهزة في بلاد الإسلام، ويبثون منها، ومن خلالها ما شاءوا.
ومن الغريب والطريف أن بعض الحلول لما يسمى بالبث المباشر أنه تربط القنوات العربية بعضها ببعض، بحيث تصبح القنوات العربية، كلها يمكن أن يتاح للإنسان أن يشاهدها في كل مكان، والواقع أن كثيراً من القنوات العربية فيها أسوأ مما في البث المباشر، لماذا؟ لأنه إن أتينا في مجال الصورة -مثلاً- وهي من أخطر الأشياء لأن الشباب يفتتن بها، فالواقع أن الإنسان إذا رأى صورة امرأة بلباس النوم أحياناً، فقد تكون الإثارة أكثر من لو رأى امرأة عارية، فالخطر لا يقل، وإن أتينا من حيث مسخ التقاليد الإسلامية، فهو موجود، وإن أتينا من حيث الشبهة فهي موجودة.
على كل حال، فأنا لا أقلل من خطورة البث المباشر، وليس هو موضوع المحاضرة، لكن قصدي أن أقول: إنه -أحياناً- نحن نتفطن إلى خطر، ونغفل عن خطر آخر لا يقل عنه، أو نتنبه إلى أمر ونغفل عن أمر لا يقل عنه، فمثلاً نتفطن لقضية جهاد الكفار في فلسطين، أو في أفغانستان، أو في إرتيريا، أو في الفلبين، وهذا واجب لا يشكك فيه أحد، لكن -أيضاً- يجب أن نتفطن إلى جهاد المنافقين الذين يوجدون في كل زاوية وشارع، وفي كل بيت ومدرسة إلا من رحم الله، نتفطن لجهاد المنافقين، نتفطن للفاسقين، فهذه ألوان من أنواع الجهاد باعتبار من يقع عليهم الجهاد.