اختلاف كفاءات الناس

وخلاصة هذه الحقيقة هي: أن الأفراد يختلفون فيما بينهم، ويتفاوتون تفاوتاً يقل أو يكثر لكنه لا يغيب؛ بمعنى أنك لا تجد اثنين من الناس متماثلين في كل شيء، قد تجد فردين متشابهين، أو متقاربين سواء في نواحيهم الأخلاقية، أو العقلية، أو الجسمية، أو غيرها.

لكن أن تجد شخصين متماثلين متفقين فهذا نادر أو غير موجود، وهذا الأمر هو لحكمة أرادها الله تبارك وتعالى، فإن المجتمع -أي مجتمع سواء المجتمع المسلم، أو المجتمعات الكافرة- لكي يقوم هو بحاجة إلى مجموعة من الكفاءات المتفاوته، كما أن أي مجتمع بحاجة إلى القادة والزعماء، هو أيضاً بحاجة إلى الأطباء، وبحاجة إلى العلماء، وبحاجة إلى المهندسين، وبحاجة إلى الخبراء في كافة مجالات الحياة، بل وبحاجة إلى الخدم وإلى غيرهم من أصحاب الحرف والمهن العادية، بل والوضيعة في نظر الناس، والتي لا بد للناس منها.

فكل حرفة يحتاجها الناس تجد من يرغب فيها ويميل إليها، وبمجموع هذه الأشياء يتكون المجتمع، ولا يمكن أن نقول: إن مجتمعاً ما مكون من مجموعة من الشعراء أو الأدباء؛ فإن الشعراء والأدباء يحسنون صناعة الكلام وتنميقه وضبط الأوزان والقوافي، ويحسنون الحديث عن المشاهد الجميلة والمشاعر الرقيقة, لكنهم لا يحسنون الصناعات مثلاً، ولا يتقنون الفنون العسكرية ولا غيرها، وهكذا سائر التخصصات، أو الميول الأخرى في الحياة.

وهذه الحقيقة يجب ألا تغيب عن بالنا، ونحن نتحدث عن التوازن في حياة الفرد المسلم وفي حياة المجتمع المسلم، وإذا كانت هذه الحقيقة بدهية ومُسَلَّمة، فإننا نطل إطلالة سريعة على ذلك المجتمع الإسلامي الفريد الذي تربى على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مجتمع الصحابة رضي الله عنهم؛ المجتمع الذي أراد الله عز وجل أن يكون منارة سامقة مرتفعة على التاريخ يتطلع إليها الناس في كل زمان وفي كل مكان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015