الاهتمام بالنية

أمر آخر يتعلق بحقيقة العمل والعناية به قبل العناية بمظهره: هو إخلاص النية: وهناك نصوص كثيرة في موضوع النية، ويكفيك حديث عمر رضي الله عنه الشهير: {إنما الأعمال بالنيات} الحديث، إنما الأعمال بالنيات، فلا تقل: العمل ليس ضرورياً ولا شرطاً، بل العمل شرط، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: {إنما الأعمال بالنيات} .

إذاً: عندنا أعمال، وعندنا نيات، العمل لا يصلح إلا بالنية، لكن نية بدون عمل أمر غير معقول، بل لا يتصور وجود نية بدون عمل إلا للعاجز الذي لا يستطيع أن يعمل فنوى، فيبلغه الله تعالى ما نوى؛ ولهذا أيضاً قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس المتفق عليه: {لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية} أي: أن الهجرة من مكة انقطعت لأن مكة فتحت، لكن بقي الجهاد، وبقيت النية الصالحة يتعبد الله بها إلى يوم القيامة.

فلا بد من النية التي تصحح الأعمال؛ ينوي بها وجه الله تعالى، وينوي بها عملاً معيناً.

مثلاً: ينوي صلاة معينة، أو صوماً معيناً إن كان فرضاً معيناً أو كان نفلاً معيناً.

كذلك قضية لإقبال على العمل نفسه مثل الصلاة؛ فمن أهم الأشياء في الصلاة: الإقبال على صلاتك؛ ولهذا -مع الأسف- الناس دائماً يتربون على الكم لا على الكيف، وعلى المظهر لا على المخبر والحقيقة.

فكثيراً ما نقول للناس مثلاً: إن فلاناً -كما ذكرت- يصلي من الليل كذا، ويصوم كذا، ويحج كذا، وقد نُعلِّمهم بعض الأشياء، ولكننا قلما ننبه الناس إلى قضية إصلاح النية، وإصلاح العمل، والإقبال على العبادة.

وأعطيك مثالاً: عمار رضي الله عنه كما في سنن النسائي والحاكم وصححه الحاكم وسنده صحيح وهو كما قال: {صلى صلاة -هو صحابي فاضل عالم- فأوجز فيها وخفف، فانتقده من حوله وعابوه، وقالوا له: لقد أوجزت في هذه الصلاة، -اختصرت- قال: أما إني لم أخل بشيء من قيامها ولا ركوعها ولا سجودها، وإني مع ذلك قد دعوت بدعوات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها ثم قام.

فلحقه أحدهم وقال: يرحمك الله! ما هذا الدعاء الذي دعوت به؟ قال: إني قلت: اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كان كانت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين} .

الله أكبر! لو تأملت هذا الدعاء فهو من جوامع الدعاء فيه معاني عظيمة: الخشية، والخوف، والشوق، كل هذه المعاني القلبية دعا بها عمار.

إذاً قال لهم عمار بلسان حاله: ليست العبرة بطول الصلاة، إنما العبرة بالإقبال على الصلاة، والعبرة بالنية والصدق مع الله تعالى في الصلاة، وبأثر الصلاة؛ ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً]] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015