يعجبني بعض الناس، عندما يكون عنده فتاة يريد أن يزوجها، يقول لبعض الناس: ابحث لي عن إنسان طيب صالح، لكن ليس كل طيب يصلح لي؛ لأن بعض الناس قد يكون مظهره صالحاً، لكن حقيقته بخلاف ذلك، فهو سيئ الخلق، سيئ الملكة، والمعاملة، بذيء اللسان، عاق، قاطع لرحمه، عنده قسوة، بل أحياناً عنده -عافانا الله- أشياء وأشياء.
ولهذا نقل عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب إلى بعض عماله، أن ولِّ الفقهاء، أي: استعمل الفقهاء، فكتب إلى عمر، وقال: يا أمير المؤمنين! قد وليناهم فوجدناهم خونة فقال له عمر: ويحك! ولِّهم فإن كانوا خونة فغيرهم أخون.
ونحن لا نوافق هذا العامل على ما قاله لـ عمر أنهم خونة؛ لأن هذا غير صحيح، والفقهاء هم الذين زكاهم الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل العموم، وقد جاء في الحديث: {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله} وهذا صححه الإمام أحمد والعراقي وغيرهما فزكى النبي صلى الله عليه وسلم الذين يحملون العلم، بل قال في الحديث الآخر الصحيح: {نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها} فدعا له بالنضرة ودعا له بالخير؛ ولذلك فحملة العلم وأوعيته والفقهاء هم أفضل طبقات المجتمع إجمالاً بلا شك، لكن لا يعني هذا أنهم ملائكة أو أنهم معصومون بل لا يعني هذا أنهم لا يندس فيهم من ليس منهم.
مجتمع الرسول عليه الصلاة والسلام وُجِدَ فيه المنافقون الذين يتظاهرون بأنهم من الصحابة، وهم في الحقيقة كفار، وما ضر هذا أن زكى الله تعالى أصحاب محمد عليهم الصلاة والسلام كلهم ومدحهم وأثنى عليهم، والأمة قالت: إن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كلهم عدول ثقات، المعروف منهم وغير المعروف.
فلا يضر أن يوجد في الأخيار من يندس فيهم وليس منهم، ويتظاهر بالخير وليس من أهله، وقد يتصرف تصرفات رعناء، ولكن كثيراً من الناس لا يميزون، فينسبون هذه التصرفات إلى الطيبين والخيرين والملتزمين ويعتبرونه منهم.
وقد يوجد من بعض الملتزمين من يكون عنده أخطاء وعنده سوء في المعاملة، وهذا أمر موجود؛ لأنهم ليسوا معصومين، وليس لهم قداسة -أيضاً- ألاّ ينتقدوا، بل العكس ينتقدون مثلما ينتقد غيرهم.
مثلما نتكلم الآن على الطبيب، فننتقده في خطئه ونمدحه على صوابه، ومثلما نتكلم على المدرس، فنثني على خيره ونشجعه عليه، وننتقده فيما أخطأ فيه، ومثلما نتكلم على الشباب، فنمدحهم في جوانب، ونذمهم في جوانب، ومثلما نتكلم على المرأة، فنمدحها في جوانب، وتنبه على أخطأ في جانب آخر.
كذلك جنس كل من الأخيار، والملتزمين، والدعاة، وطلبة العلم، والمحتسبين، ليسوا معصومين من الخطأ ولا هم منزهين عنه، وليسوا أيضاً مقدسين عن أن ينتقدوا مثل غيرهم.
ولذلك نحن دائماً وأبداً نقول للناس: جزاكم الله خيراً! انتقدونا لكن بالتي هي أحسن، ليس بالشتيمة ولا بالسب ولا بالتعيير ولا بالافتراء والكذب والتزوير ولا باتهام النيات.
فما تعلم أنه خطأ قد وقع فيه أخوك المسلم -كبيراً أو صغيراً- طالب علم أو داعية أو إنسان من العامة، فعليك أن تصحح له الخطأ، إن كان الأمر يستدعي أن يكون ذلك بينك وبينه فحسن، وإلا فلا مانع -إذا كان الأمر عاماً، أو ظاهرة عامة- أنك تعالجها في مجالات عامة، لكن هناك فرق بين النقد البناء الذي يستهدف الإصلاح وبين النقد الذي يستهدف التشهير والتجريح وتشويه السمعة والحط من المكانة, وإفقاد الناس الثقة بهذه النوعية من الناس الأخيار.