من الحلول أيضاً: ألا تحارب الشعوب الإسلامية في أرزاقها أيضاً، فإن الفقر كاد أن يكون كفراً كما جاء في المثل -وإن تجويع الشعوب العربية والإسلامية يحولها إلى أنعام، همها السعي وراء لقمة العيش؛ فهي كالقطعان التي لا تبحث إلا عن المرعى، ولقد اعتمد كثير من المتنفذين على شعوب المسلمين، وخاصة في البلاد الفقيرة على سياسة التجويع والإفقار، وتعقيد سبل البحث عن الوظيفة أو البحث حتى عن الخبز، وهذه الطوابير المتراصة الطويلة التي لا ترى طرفها في بعض البلاد -تستهلك أوقات المواطنين وتشغلهم بالهم القريب عن الهم البعيد والهموم الأخرى، فهو لا يهتم بتعليم دينه في كثير من الأحيان، ولا يعرف عقيدته، لا يهتم بأخلاقه وأخلاق بيته وأسرته وذويه، ولا يهتم بهموم أمته لأنه مشغول بالهم القريب الذي هو فطري في الأصل هم الطعام والشراب، هم فطري لا يلام الإنسان بالاهتمام به، لذلك كان من مهمات الحاكم في الإسلام، توفير القوت والطعام والشراب والكساء والغذاء للإنسان حتى يعبد الله تعالى في جو هادئ، حتى يعرف مسئوليته والواجب عليه.
أما أن تجوعه وتفقره ثم تطالبه بعد ذلك؛ فهذا لا يمكن أن يكون! على كل حال ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولكننا حين نحول الإنسان إلى باحث عن الوظيفة أو عن القرش أو عن لقمة الخبز نكون قد مسخنا إنسانيته وأهدرنا كرامته، وقضينا على كل معاني الرجولة والإباء والشهامة فيه، ومن قبل عرف المنافقون ذلك فكانوا يقولون، كما حكى الله تعالى عنهم: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون:7] فيعرفون أو يظنون أن الشح في الإنفاق، سبب في الانفضاض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما علموا أن خزائن السماوات والأرض لله، وأنهم إن أمسكوا هم، فإن الله تعالى يبسط يده على عباده المخلصين الصادقين، ويرزقهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه ابن عمر: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده ولا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِل الذل والصغار على من خالف أمري} .