إزالة المقاطعة السياسية والثقافية والحدودية

ومن مكاسب إسرائيل واليهود: إزالة المقاطعة السياسية والثقافية والحدودية مع العرب، وهذه المقاطعة تؤثر سلبياً في صعوبة نقل السلع الإسرائيلية؛ لأنها لا يمكن أن تنقل عبر البَر بسبب المحاصرة العربية، ويمكن أن تنقل جواً وبصعوبة وهذا يجعل الأسعار مرتفعة ويجعل السلع الإسرائيلية في الأسواق العالمية غير قادرة على المنافسة، وبالتالي يصيب هذا -كما أسلفت- الاقتصاد اليهودي بشيء من الكساد، فإذا زالت هذه المقاطعة أمكن إسرائيل أن تنقل بضائعها عبر البَر وعبر الأراضي العربية، لا، بل أمكن إسرائيل أن تنقل بضائعها إلى البلاد العربية نفسها، بحيث تكون الأسواق العربية مفتوحة على مصراعيها للبضائع والمنتجات والصناعات الإسرائيلية.

إن منع التواصل بين العرب والمسلمين وبين اليهود في هذه الرقعة يضر بإسرائيل كثيراً فهم حريصون أشد الحرص على فتح الحدود، ليذهب اليهود إلى البلاد العربية، والعرب والمسلمون يأتون إلى إسرائيل دون أي تحفظ.

ومن الأمور التي قد تكون يسيرة جداً وبسيطة لكنها ملفتة -أيضاً- أن هناك كتاباً عالمياً للطيران، هذا الكتاب يتحدث عن بطاقات الطيران وعن التذاكر وغيرها، وكيف يمكن استرجاعها إلخ، لكنه في إحدى البطاقات -وهو موجود في كل بلاد العالم بما في ذلك البلاد العربية، ومتداول- يصور لك -مثلاً- تذكرة طيران… اسم الراكب ديفيد ليفي، وتحته: لا يمكن استرجاع قيمة هذه التذكرة إلا في إسرائيل.

قد يتصور أن هذا الأمر غير مقصود، ولكن هؤلاء القوم يخططون حتى للأشياء التي تظن أنها تافهة وبسيطة، وقد رأيت هذا الكتاب وهذه التذكرة بعيني.

إن إسرائيل تريد أن تكون حدودها مفتوحة للمسلمين، وحدود البلاد العربية والإسلامية مفتوحة لها، وهذا يفسر لك حرص إسرائيل على عقد المؤتمر أو بعض جلساته -كما يقولون- هم في الشرق الأوسط، عقد بعض المفاوضات في الشرق الأوسط، لماذا؟ لأن من أهم مقاصدهم: أنهم يريدون أن يأتي العرب إلى إسرائيل، أو حتى أن يذهب اليهود إلى أي بلد عربي آخر -إلى الأردن مثلاً، أو إلى لبنان أو إلى سوريا، أو إلى أي بلد عربي آخر- حتى يعقدوا المفاوضات هناك، لأن اليهود يعتبرون من أهم مكاسبهم أن العرب لا بد أن يتعاملوا مع إسرائيل معاملة طبيعية معترف بها، بعيداً عن تجنبها أو مقاطعها.

ولذلك حرصوا على عقد المفاوضات مع إحدى البلاد العربية -حتى لو في غير إسرائيل- لأنهم يعتبرون هذا تمهيداً لكسر هذه الحواجز الحدودية، وقد دعا بيريز في مقالته عن آفاق التعاون الإقليمي، دعا إلى تعاون بين دول المنطقة العربية وغير العربية، وقال: " إن هذا التعاون يمكن أن يقوم على المعرفة وعلى المهارة البشرية اليهودية، وعلى النفط والسوق العربيتين وعلى المياه التركية، فهذا هو التكامل " وأحياناً يقولون: بالنسبة للأعداد البشرية، فالعمالة تؤخذ من البلاد العربية والخبرة من اليهود ورءوس الأموال -أيضاً- من العرب، وهذه نظرة عنصرية قومية بلا شك تستهدف الاستحواذ على الثروة النفطية وعلى الطاقات الإسلامية، وكأن المسلمين ليسوا مؤهلين الآن ولا مستقبلاً للإفادة من هذه الطاقة، فيحتاجون أن يتولى اليهود بمعرفتهم ومهاراتهم -فيما يزعم- الانتفاع بها.

ومن أهم نتائج ذلك -كما هو ظاهر- غزو الأسواق بالمنتجات اليهودية، التي كانت تقاطع بالأمس، وفتح الطريق أمام علاقات دبلوماسية مع اليهود، وإقامة سفارات أو قنصليات -كما هو مطروح- في البلاد العربية وهو جزء مما يسمى بالتطبيع، وسوف أتحدث عن موضوع التطبيع لخطورته وسعته في درس مستقل بإذن الله تعالى، لأنه من أهم القضايا التي تبنى على عملية السلام.

كذلك فتح الباب أمام السواح اليهود ليأتوا إلى البلاد العربية، بل وأن من حقهم أن يزوروا حتى الأماكن الدينية والأثرية والتاريخية، على حد سواء مع العرب ومع المسلمين، وهذه من بنود الصلح الذي عقد في مؤتمر كامب ديفيد كما سوف أشير إلى ذلك بعد قليل.

أما التعامل الثقافي، فجانب مهم من جوانب التطبيع، وخلاصته إنهاء حالة العداء مع اليهود.

ولعل العناق الحار الذي رُئي وشوهد في أكثر من مكان، بين الوفد الإسرائيلي وبين مجموعات من الوفود العربية، والابتسامات العريضة التي كست وجوه بعض العرب، كانت عريضة بعرض المصيبة التي أصابت الأمة الإسلامية، لا باليهود، فليس غريباً أن يحارب اليهود أمة الإسلام، وليس غريباً أن يكيدوا لها ولكن بعرض المصيبة التي أصابت المسلمين من هؤلاء الذين ذهبوا إلى مدريد وصافحوا وعانقوا الوفد الإسرائيلي، واتفقوا معه على بيع أرض المسلمين، {بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:20] .

وبيعت بلاد العرب بالثمن البخس لبعضهمُ درهم ولآخرٍ كرسي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015