لكننا نود أن ننبه إلى القضية الأخرى -الخطيرة والحساسة- وهي: أن كثيرين أصبحوا يطلبون من المسلمين أن ينصهروا في ضمن هذا النظام، وألا يظلوا متميزين باستقلاليتهم كمسلمين بعيدين عن هذا النظام، أو هذا التيار الجديد، فهم يطالبون بأن يتخلى المسلمون عن مميزاتهم وخصائصهم، ويقبلوا أن يكونوا جزءاً من ذلك النظام الدولي، حتى إنني قرأت في بعض الصحف المصرية مقالاً عنوانه: خرافة أعداء الإسلام، يعني: أنه يقول: لم يعد هناك شيءٌ اسمه: أعداء للإسلام، ولم يعد هناك صراع بين الإسلام وبين خصومه؛ وإنما القضية قضية مصالح متبادلة بين الشرق والغرب… فهذه قضية خطيرة جداً لأنها تريد أن تنزع فتيل التميز الإسلامي… تنزع من قلب المسلم العداوة للكافر، لليهودي، للنصراني، للشيوعي، للملحد… في الوقت الذي يحتفظ فيه اليهودي، والنصراني، والشيوعي بعداوته للمسلم.
هناك أصوات كثيرة -الآن- تحاول أن تلغي -مثلاً- الجهاد، وتعتبر الجهاد هذا مرحلة تاريخية مضت وانتهت، وعلينا أن نتعامل مع الواقع القائم ولا نتكلم عن الماضي، فعقارب الساعة -كما يقولون- لا ترجع إلى الوراء… ونحن نقول: مسألة الجهاد عقيدة … مسألة الجهاد شعيرة من شعائر الإسلام؛ وشريعةٌ من أنكرها أو كذبها فهو كافر بالله العظيم؛ لأنها من القضايا المعلومة من الدين بالضرورة.
لكن مسألة: يقوم الجهاد أو لا يقوم؛ متى؟ وأين؟ فهذه قضية أخرى.
مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -مثلاً- هذه شعيرة من شعائر الإسلام، ومن يجادل في أصلها أو يشك فيها يكفر؛ لأن هذه القضية معلومة من الدين بالضرورة، وأدلتها قطعية من الكتاب والسنة؛ لكنهم يقولون: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا في الماضي، أما الآن فعندنا حرية الفرد، حرية التعبير، حرية الاعتقاد، حرية التصرف.
ما شأنك وشأن الآخرين ليس لك بهم علاقة، حتى ابنك أو ابنتك يريدون ألا يتدخل فيه الإنسان، تحت مظلة الحرية الشخصية، وهذا جزء من النظام الدولي الجديد الجانب الاجتماعي في ذلك النظام جانب الحرية الأخلاقية، بأن يفعل الإنسان ما يشاء دون رقيب أو حسيب عليه.
وأما قضية التميز العقدي فتعني: وجود عقيدة عند المسلم تميزه وتجعله يفهم الأمور كلها على ضوء كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دون أن يجد شيئاً مشكلاً عليه، فالإسلام للمسلم كل القضايا بدون استثناء: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] {وَنزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] وقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء:12] .
وما ترك النبي صلى الله عليه وسلم طائراً يطير بجناحيه إلا وبين لنا منه علماً فكل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية وغيرها، في الإسلام حكم لها، أولئك يريدون أن يسحب المسلم هذا التميز في الاعتقاد، وهذا التميز العملي، وهذا التميز الاجتماعي، ويكون جزءاً من نظام غربي دولي جديد، ليس فيه نمط لحضارة أخرى حضارة إسلامية، لا، بل نمط للحضارة الغربية فقط.