وفي صحيح مسلم {أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن} .
إذاً من الأسماء الفاضلة عبد الله -كما سبق- وعبد الرحمن، فهل يشمل هذا الحكم غيرهما من الأسماء المعبدة، مثل عبد الكريم، عبد العزيز، عبد الجليل، عبد القوي، عبد المتين، أم لا يشمل؟ القرطبي رحمه الله، صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم، ذكر أنه يشمل غيرهما، فكل ما عبد فإنه فاضل، وقال ذلك لأن في عبد الله -مثلاً- أو عبد الرحمن، أو حتى عبد الكريم، وعبد العزيز، أولاً: فيها تسمية الله عز وجل، بأسمائه الحسنى، مثل الكريم، العزيز، الجليل، الغفور، الرحيم.
وثانياً: أن في كلمة (عبد) : فيها وصف العبد المخلوق بما هو له أهل، من الذل والعبودية، وإضافة العبد إلى الله إضافة حقيقية، فهي قضية صادقة من جميع وجوهها.
ولهذا ذهب القرطبي إلى أن من الأسماء الفاضلة -أيضاً- كل اسم مبدوء بـ (عبد) مثل: عبد العزيز وعبد الكريم، وما شابهها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يكون غيرهما في الفضل بمنزلتهما، وذلك لأن اسم (الله) واسم (الرحمن) لهما ميزات، ومن ميزاتهما: أنه لم يرد في القرآن إضافة (عبد) إلى غيرهما، فقد ورد في القرآن إضافة (عبد) إلى الله كما في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] .
كذلك ورد إضافة (عبد) إلى (الرحمن) وفي أي موضع؟ {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] وكذلك قال الله عز وجل -وهذا يؤيد ما سبق-: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110] فذكر لفظ (الله) أو (الرحمن) ، وكذلك ذكر بعض أهل العلم أنه لم يتسم أحد بهذين الإسمين الشريفين العظيمين من المخلوقين، فلم يتسم أحد باسم (الله) ، ولا باسم (الرحمن) ، بخلاف بقية الأسماء فهناك من تسمى به، فمثلاً (الرحيم) ، هناك من تسمى بـ (الملك الرحيم) ، وكذلك (القاهر) ، وغيرها من أسماء الله تسمى بها بعض الملوك، وبعض السلاطين، وبعض الحكام بل وغيرهم.
أما (الله (و (الرحمن) ، فلم يتسم بهما أحد، إلا أن مسيلمة كان يسمي نفسه في الجاهلية (رحمان اليمامة) ، لكن هذه نسبة إضافية، فهو اسم مضاف، فهو ادعى لنفسه أنه رحمان لليمامة وليس الرحمن بإطلاق، وكذلك أحد الشعراء مدح رجلاً بقوله: وأنت غيث الورى لا زلت رحمان قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وهذا غلو في الكفر حيث وصفه بأنه رحمان"، ثم إن الرجل هذا لم يسم نفسه بهذا الاسم، بل وصفه هذا الشاعر الملحد فلا عبرة في ذلك.
ويبقى الكلام الذي ذكره أهل العلم أنه لم يتسم أحد باسم (الله) ولا باسم (الرحمن) كلام صحيح، فـ (الله) و (الرحمن) ، لم يتسم بهما أحد من بني الإنسان، ولذلك فليس غيرهما بمنزلتهما، وإن كان ورد في ذلك أحاديث في أن كل ما عبد فهو فاضل لكن لا يصح من ذلك شيء، أما حديث {خير الأسماء ما حمد وعبد} فهذا الحديث لا أصل له كما ذكر ذلك جماعة من أهل الحديث، وإن كان شائعاً على الألسنة، فهو حديث موضوع، لا أصل له.
لكن روى الطبراني في معجمه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن أبي زهير الثقفي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا سميتم فعبدوا} أي: اجعلوا الاسم مبدوءاً بعبد الله، وكذلك اللفظ الآخر لفظ ابن مسعود: {خير الأسماء ما تعبد به} وفي سند هذا الحديث محمد بن محصن، وهو ضعيف جداً بل متروك، فالحديث أيضاً شبه موضوع، وإن كان الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ذكر الحديثين، وقال: وفي سندهما ضعف.
والواقع أن الحديثين سندهما إن لم يكن ضعيفاً جداً فهو شبه موضوع، فلا حجة بهما، فلا يصح في التعبيد مطلقاً حديث، لكن لا شك أن الأسماء المبدوءة بـ (عبد) ، كعبد الله، عبد الرحمن والتي فيها تعبيد لله تعالى أنها أسماء معانيها حسنة وصحيحة، فهي فاضلة بهذا الاعتبار، أما من خصوص ورود شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا يصح شيء من ذلك.
النوع الثاني من الأسماء الفاضلة: أسماء الأنبياء: وقد روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة، في تفسير قوله تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وكانوا يسموا بأسماء أنبيائهم} أي أن بني إسرائيل يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم.
وكذلك روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب، أنه كان أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء، ولعل المقصود بأحب الأسماء إليه يعني إلى سعيد بن المسيب، وليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ورد الأمر بهذا -الأمر بالتسمي بأسماء الأنبياء- من حديث وهب الجشمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تسموا بأسماء الأنبياء} والحديث رواه أبو داود والنسائي وفيه عقيل بن شبيب وهو مجهول؛ فالحديث ضعيف، لكن يشهد له ما سبق: حديث المغيرة وما سيأتي.
فالخلاصة: أن التسمي بأسماء الأنبياء فاضل، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الصحابة بأسماء الأنبياء، هذه بعض أسمائهم: فممن سماهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى إبراهيم، كما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: {ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، وحنكه، وسماه: إبراهيم p} .
وقد جاء أيضاً أن إبراهيم هذا كان من أكثر أبي موسى براً بأبيه.
وكذلك في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أنس: {ولد لي الليلة غلامٌ فسميته باسم أبي إبراهيم} أي ابنه صلى الله عليه وسلم إبراهيم، وكان من مارية القبطية، وقد فرح به النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاه أبا سيف القين الحداد، رجل حداد كانت عنده امرأة، كانت حاضنة لـ إبراهيم عليه السلام، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشتكي وجعاً، ذهب إلى بيت أبي سيف القين، ودخل وكان بيته مملوءاً بالدخان حتى أخذ -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- أخذ ابنه إبراهيم وهو في النزع، فضمه صلى الله عليه وسلم إلى صدره وبكى، فقال له بعض أصحابه: هذا وأنت رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: {إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} .
فحزن صلى الله عليه وسلم لموته حزناً شديداً، وقال: {إن له ضئراً تكمل رضاعه في الجنة} وقد ورد في فضل إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة جداً، حتى ورد في آثار عديدة أنه لو عاش لكان نبياً، وهذا المعنى أنكره ابن عبد البر، ثم النووي إنكاراً شديداً وقالوا: هذا هجوم على الغيب بما لا علم به، ودعوى باطلة جائرة، حتى قال ابن عبد البر: لو كان كل ابن نبي يكون نبياً لكان الناس كلهم أنبياء؛ لأنهم أبناء لآدم عليه الصلاة والسلام.
لكن رد هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال: "إنه ليس بلازم، لكن هذا خبر عن إبراهيم بالذات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خبر معلق بأنه لو عاش، وقد قضى الله تعالى وقدر ألا يعيش إبراهيم، بل مات وهو في الثدي وهو لا يزال غلاماً رضيعاً.
كذلك من الأسماء التي سمى بها الرسول، أو أمر بها اسم (محمد) ، وهو اسم نبينا وسيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي} .
وكذلك روى الشيخان عن أنس بن مالك نحوه، أنه قال عليه الصلاة والسلام: {تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي} .
وسيأتي الكلام إن شاء الله في الدرس القادم عن موضوع الكنية، كنية (أبى القاسم) ، وهل تجوز أم لا تجوز، ولكن المقصود من هذا الحديث التسمي باسم (محمد) ، وأنه من الأسماء المشروعة، المستحبة، المستحسنة حيث أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {تسموا باسمي} وهذا أمر يدل على الفضل وقطعاً لا يدل على الوجوب.
وهنا أشير إلى حديث موضوع وهو ما رواه أبو نعيم في الحلية، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال -عن الله جل وعلا- أن الله تبارك وتعالى قال: وعزتي وجلالي -مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم- لا أعذب أحداً تسمى باسمك بالنار.
وهذا الحديث موضوع لعنة الله على واضعه ومختلقه، فإنه مفترٍ أفاك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم من إنسان اسمه (محمد) ، وكان عدواً للإسلام والمسلمين! من الذين طغوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، فهذا افتراء ليس على الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، بل على رب العالمين، فعلى واضعه ومختلقه من الله ما يستحق.
ويستغرب من بعض أهل العلم -غفر الله لنا ولهم- أن يسوقوا هذا الحديث دون أن يعقبوا عليه ببيان أنه حديث مختلق موضوع، كما فعل جماعة من المصنفين المشهورين.
من الأسماء التي سمى بها الرسول صلى الله عليه وسلم (يوسف) ، على النبي يوسف عليه الصلاة والسلام، فقد روى يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما كما في كتاب الأدب