ثالثاً: دليل على أهمية جمع المال، وتثميره، وإنفاقه أو إنفاق بعضه في سبيل الله عز وجل إنه ليس ضربة لازب أن يكون أولياء الدعوة وأهل الخير والصلاح ورواد المساجد وعمار حلق الذكر، أن يكونوا دائماً من الفقراء المحاويج، ولو أن المسلمين في أي مكان من الأرض، الذين يجاهدون في إقامة دينهم، وإحياء شريعة ربهم، ومنازلة عدوهم، لو أنهم كانوا يمسكون بأزمة الاقتصاد، أو يملكون الشركات الكبرى، أو حتى بعضها، أو يستحوذون على رؤوس الأموال، لما استطاع أحد أن يقف في طريقهم، لأنه لا أحد يقبل أن يهاجر التجار، أو تهاجر رؤوس الأموال، أو تقوض الشركات التي منها يأكل الناس، ومنها يلبسون، ومنها يركبون، وهي قوام حياتهم وعيشهم، إذاً لو أن المسلمين أمسكوا بأزمة الاقتصاد في بلادهم، لما استطاع أحد أياً كان، أن يقف في وجوههم، فهل نعي ذلك جيداً؟! إن ذلك يبدو من الموقف الذي وقفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقد كان غنياً، ثرياً، تاجراً شهيراً في قريش، كما يبدو من وجه آخر من تلك الأعطية القرشية الجزلة التي وضعتها قريش لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد أدركوا فعلاً أهمية المال أيضاً في شراء الضمائر، وتغيير العقول والقلوب، ومحاولة صد الناس عن الإسلام.
وقد قال المنافقون: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:7] .
إن المنافق فاسد الطبع، خرب الضمير، ضيق الأفق، فهو ينظر إلى الدنيا كلها بل إلى الحياة من منظار المادة والدرهم والدينار، فيظن أن الشح على المؤمنين، أو أن ترك الإنفاق عليهم، أو أن حرمانهم من الطعام والشراب والكساء، يعني أن ينفضوا عن دعوتهم، أو يتخلوا عنها، لأن المنافق ينظر إلى الحياة بعين طبعه، فالمال عنده كل شيء، وهو سر الوجود، وسر العظمة، وسر القوة، وهو يعتقد أن الناس يجتمعون على الريال، وينصرفون من أجله.