رابطة الصحبة في طريق الدعوة

إنها دلالة كبيرة على أهمية العاطفة القلبية في الدعوة إلى الله عز وجل؛ فالدعوة، والعلاقة بين الدعاة والمدعوين، بل بين الدعاة بعضهم بعضاً، ليست علاقة رسمية وظيفية، بل هي علاقة ود وحب متبادل، علاقة قلوب يهفو بعضها إلى بعض، ويحن بعضها إلى بعض، ويرتبط بعضها ببعض، بأوثق الروابط، وأعظم العلائق، إنها علاقة الحب في الله عز وجل ورابطة الصحبة في طريق الدعوة إليه، ولهذا بكى أبو بكر رضي الله عنه في مواقع عدة، منها بكاؤه لما علم أنه سيظفر بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الطريق الخطر.

وظل أبو بكر طيلة عمره وفياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب له، حتى أحبه أكثر من نفسه، وأهله، وولده، ووالده، والناس أجمعين، ولقد جاء أبو بكر بعدما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصيب أعظم مصابه، فرفع الثوب عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قبله بين عينيه وبكى، وقال: (طبت حياً وميتاً بأبي أنت وأمي يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم.

لقد تحدث القرآن الكريم عن شعور أبي بكر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] إذاً ما هو الشعور الذي كان يصاحب أبا بكر، ويُحتاج إلى دفعه؟ إنه ليس شعوراً بالخوف على نفسه، أو أن يقع في أيدي الطلب، كلا! إنما هو شعور الحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الدعوة التي يحملها، ولهذا طمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فدين الله تعالى منصور، ودعوته قائمة، والمستقبل بإذنه تعالى مضمون، ولهذا يا أبا بكر، ويا كل داعية إلى دين الله عز وجل بصدق! لا تحزن، فالدين دين الله عز وجل والدعوة دعوته، وهو المتكفل بها سبحانه، وما علي وعليك إلا أن نبذل من جهدنا، وعرقنا، ووقتنا، وسهرنا، وما لنا، وكل ما نملك لهذا الدين، حتى نكون من جند الله المخلصين.

ولقد توج أبو بكر رضي الله عنه هذه العلاقة العاطفية الحميمة العميقة، توجها بتزويج عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد خطبها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فتعجب أبو بكر وقال: إنما أنا أخوك} كما في صحيح البخاري، وكأني بـ أبي بكر رضي الله عنه يرى أن علاقة الود، والمحبة، وعمق الصلة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى من كل روابط الدنيا، ومن كل العلاقات التي يعرفها الناس من القرابة، أو النسب، أو الزواج، أو الصهر، أو نحو ذلك، فيقول له: {إنما أنا أخوك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في دين الله تعالى وكتابه، وهي لي حلال، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم} هذه واحدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015