تأهيل الخبرات الإسلامية والاستعانة بالكفار بشروط

سادساً: من هو الدليل؟ نعم: إن دليل الهجرة هو عبد الله بن أريقط كما أسلفت، وكان على دين أهل الجاهلية، ولا أشك أنه لو كان ثمة مسلم عارف بالطريق، بصيرٌ به، ملائم للمهمة، لاختاره النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اختاره لأنه كما ذكرت الرواية (خريت) بصيرٌ بالطريق، ومع ذلك كان رجلاً مأموناً أمنه الرسول صلى الله عليه وسلم عن خبرة ودراية وممارسة، وعرف أنه لا يفشي سراً، ولا يخضع للترهيب والترغيب، ولا يستجيب لتلك الأعطيات التي وضعتها قريش لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دلالات لابد من مراعاتها: أولها: أن الكفار وإن كانوا في الجملة أعداء لنا كما ذكر الله عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] إلا أنهم مع ذلك يتفاوتون في حجم عداوتهم، وقد يوجد من بينهم أفراد، أو جماعات قليلة، أو جمعيات، أو فئات خاصة، لا تحمل في ذاتها حقداً معيناً على الإسلام والمسلمين، بل قد تكون متعاطفة مع الإسلام، أو مستعدة لسماع الدعوة أو قبول كلمة الحق، ومن هؤلاء من يسلم بعد حين كما نعرفه في أعداد غفيرة ممن أسلموا ونشرت قصصهم في كتب عدة منها كتاب: رجال ونساء أسلموا، وكتاب: لماذا أسلمنا، وكتاب لماذا أسلم هؤلاء؟ ومنها مجموعة من الرسائل المختلفة في هذا الجانب.

نعم يوجد من الكفار من لا يحمل حقداً على الإسلام، ومن يكون لديه استعداد لقبول الدعوة، ولهذا يجب أن نختار عند الضرورة من بين الكفار، فنختار إذا اضطررنا للتعامل معهم، أخفهم عداوة، وأقلهم شراً، وأبعدهم عن التعصب لدينه أو الحقد والعداوة على الإسلام والمسلمين.

إنني أعلم أن من بين المسلمين من رؤساء الشركات وغيرها، من يأتون بهندوس متعصبين معروفين في البلاد التي جاءوا منها بالحقد على المسلمين، أو إقامة المعابد والكنائس لأهل دينهم، أو جمع التبرعات أو تنظيم صفوف الهندوس، ومع ذلك يؤتى بهم إلى بلاد المسلمين، ويمكنون من أموال المسلمين، وقد يوضع تحت أحدهم عدد كبير من العاملين يكونون تحت سيطرته وتصرفه.

إنه لابد عند الضرورة القصوى، حينما نجد أننا أمام أحوال لابد منها، في حاجة إلى خبرات غير المسلمين، أن نختار الأقل عداوة، وأن نعمل أيضاً في المقابل على أن نستغل التناقضات الموجودة بين الكفار، وأن نضرب بعضهم ببعض، وأن نقيم سوق المنافسة فيما بينهم على أسواقنا، ومصانعنا، وبضائعنا، وفرصنا، سواء كانت فرصاً اقتصادية، أم خبرات، أم غير ذلك من ألوان الأعمال والمجالات التي نقول أحياناً: إننا محتاجون فيها إلى هؤلاء.

ثم إنه لا بأس أن نستفيد من بعضهم في هذه الحدود فيما لا يمكن أن نجده عند غيرهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر: فإن هذا يؤكد على أهمية تحصيل الخبرة عند المسلمين، فما الذي أحوجنا إلى الخبير الكافر أياً كانت خبراته، زراعية اقتصادية سياسية إدارية اجتماعية علمية في أي مجال من المجالات؟ إن الذي أحوجنا إلى خبرته هو فقد الخبرة عند المسلمين، ولذلك لابد من بناء الخبرة الإسلامية، لابد من العمل على إيجاد تصنيع إسلامي يخرج من بلاد المسلمين، ينبت في بلاد المسلمين، لا يحتاجون فيه إلى أعدائهم، ومن الخطورة بمكان، أن ننقل الخبراء فنظل جهالاً محتاجين إليهم، بل أخطر من ذلك، أن ننقل المصانع بأكملها، وبعمالها، وموظفيها، وخبرائها، وإداريها، فلا نكون إلا كأننا استأجرناها لتكون فقط في بلاد المسلمين، فلابد من بناء التصنيع المسلم، ولابد أن يحمل أهل الخبرة على عواتقهم السعي إلى كسب هذه العلوم، ونقلها إلى بلاد المسلمين وتطويرها، ومثل ذلك يقال في كل مجالات الحياة.

وهذا يتطلب أمرين: الأول: الدراسة لو احتجنا إلى دراستها في بعض مراكز علمهم أو جامعاتهم.

الأمر الثاني: هو الخبرة العملية، فإن هناك ألواناً من أمور الحياة لا يمكن أن تنفع فيها الخبرة النظرية، بل لابد من الخبرة العملية، وكيف يمكن تحصيل هذه الخبرة؟ لا يمكن تحصيلها إلا من خلال التجارب الواقعية.

فالمسلمون محتاجون يقيناً إلى أن ينزلوا للميدان، فيتعلموا فن الإدارة عملياً، وفن الاقتصاد عملياً، والتصنيع عملياً، وفن إدارة الأفراد عملياً، ويتعلموا طريقة كل عمل من الأعمال التي يحتاجها الناس بصورة عملية.

إننا كثيراً ما نطرح أن الإسلام هو الحل، وهذا صحيح، فالإسلام هو الحل، لكننا نعلم أن هذا الإسلام هو حل بواسطة أوليائه الذين يقدمونه للناس، ولو شاء الله تعالى لأنزل ملائكة، ولكنه أراد بحكمته عز وجل أن يقوم البشر بهذه المهمة.

إذاً فالإسلام هو الحل من خلال الخبرة العملية وإنني لأعجب أشد العجب من مسلمين يحولون بين من يريد أن يكسب الخبرة وبين مواقعه العملية التي من خلالها يكتسب الخبرة، ولو ظل الإنسان مائة سنة يدرب على طرق الإدارة نظرياً فقط ما استطاع أن ينجح فيها عملياً، فلابد أن ينزل لميدان العمل حتى يكسب الخبرة.

ومع الأسف أقول: يوجد في بعض بلاد الإسلام، حفنة قليلة من البعثيين، ومع ذلك يستطيعون أن يديروا دولة بأكملها لو أتيحت لهم الفرصة، فإذا دخلوا ميدان الانتخابات كما يقال، فازوا بأربعة مقاعد أو خمسة، وبالمقابل قد يوجد أعداد غفيرة من المسلمين والمتعاطفين مع الإسلام يعدون بالملايين؛ وإذا خاضوا الانتخابات ربما ظفروا بمقاعد كثيرة، وأنتم تعلمون سلفاً أن جبهة كجبهة الإنقاذ فازت بأكثر من ثمانين بالمائة من الأصوات، ومع ذلك يأتي السؤال إلى أي مدى يملك أولياء الإسلام الخبرة العملية التي تضمن بإذن الله تعالى نجاحهم في محك الاختبار؟! إنه من الخطورة بمكان أن يجرب الناس أولياء الإسلام في ميدان من الميادين، فيدركوا أنهم فشلوا، فشلوا في إنعاش الاقتصاد مثلاً، أو فشلوا في القضاء على البطالة، أو فشلوا في تطوير التعليم، أو فشلوا في أي جانب من الجوانب التي تتعلق بواقع الناس وحياتهم، وحينئذٍ ستكون فرصة لأعداء هذا الدين ليقولوا للناس: إن هؤلاء القوم لا يملكون إلا الشعارات والألفاظ، أما الواقع العملي فليسوا منه في شيء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015