ثامناً: الهجرة والنية: ربطت السنة النبوية بين النية والهجرة: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الخ} وهو متفق عليه من حديث عمر، وكذلك الحديث الآخر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية} ذهبت الهجرة، وبقيت النية، وبقى الجهاد، وهذا دليل على أهمية النية فيما يعمل وفيما يترك.
أما فيما يعمل فإن الإنسان بحاجة إلى أن يصحح نيته وقصده في عبادته، وفي دعوته، وفي جهاده، وفي هجرته، وفي كل عمل، فإنما الأعمال بالنيات، ومن هاجر للدنيا، أو للمرأة، أو للمغنم، أو للوظيفة، أو للشهرة، فليس له من ذلك كله إلا ما نال من حطام الدنيا وعاجلها.
أهمية النية فيما عجز عنه الإنسان، فإذا عجزت عن شيء فليعلم الله تعالى من قبلك أنك تنوي القيام به متى قدرت على ذلك، وأنك تشتاق إليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من لم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق} إذا لم تستطع أن تجاهد، فليمر الجهاد على قلبك أو خاطرك وضميرك، ولتشتق إلى الجهاد، وتتطلع إليه، ولتنوِ أن تقوم به يوماً من الدهر إذا تيسرت الأسباب وفتحت الأبواب: يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر نكابده ومن أقام على عذر كمن راحا إن العبد قد يبلغ بنيته وقصده وسلامة قلبه درجة الصائم القائم، والهجرة أيضاً باقية إلى قيام الساعة، وإنما الهجرة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مضت، هي تلك الهجرة الفاضلة التي يسمي بها أصحابها فيقال: المهاجرون والأنصار، أما الهجرة فإنها لا تنقطع حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو، ما دام العدو يقاتل، ما قوتل الكفار، كما جاء في أحاديث عدة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.