الألم يزول بالتكرار والممارسة

أيها الأحبة: إن كل الأذاياء والبلايا تزول بالتكرار والممارسة، فإذا كان الشهيد -كما ذكرت لكم قبل قليل- لا يجد من ألم الموت إلا كما يجد من ألم القرصة، فما بالك بما دونه.

خذ على سبيل المثال: الوالد الذي تعود أن يضرب ولده، أول مرة قد يؤثر الضرب، لكنه مع الوقت يتحول هذا الأمر إلى شيء لا يؤثر في الولد ولا يخيفه، لأنه اعتاد عليه، فلم يعد يفعل فيه فعلاً، ووجد أن الضرب ليس كما كان يخافه، لكن لو كان الأب يستخدم التهديد بالضرب فقط، لربما أصاب الولد رعب شديد من هذا الضرب الذي يسمعه، ويهدد به دون أن يذوقه أو يجد ألمه.

ومثل ذلك أيضاً: الكلام فإن بعض الناس يظن أن أية كلمة توجه إليه أو طعن أو سب أو اتهام، أنه سوف يقلقله ويسهره ويظنيه ويخيفه ويحزنه، ويمنعه من التمتع بحياته، أو القيام بأعماله، لكنه إذا وجد ذلك ثم وجد، ثم تكسرت النصال على النصال، أصبح الإنسان يمتلك قوةً وصبراً غريباً، فلا يؤثر فيه الكلام، ويستوي عنده أن تمدحه أو تذمه، المهم أن تقول كلاماً صحيحاً مفيداً، أما مسألة الجوانب الشخصية، فإنها تنمحي وتزول بالممارسة، وكثرة المعايشة والإحساس بهذه الأشياء.

السجن.

أول مرة يسجن الإنسان أو يهدد بالسجن، قد يخيفه ذلك، حتى إن بعض أهل التقصير، أو بعض الشباب المفرطين، لو أنهم سجنوا لربما وجدوا أن السجن لا يستدعي أن يتركوا أقل الأشياء، حتى التفحيط أو التطعيس، لا يستدعي أن يترك من أجل السجن، لأنهم جربوا أن السجن ليس بالأمر الذي كانوا يرهبونه ويخافونه، لكن لو كان الأمر يقتصر على مجرد التهديد والتخويف، لربما كان وقعه في النفس أعظم.

المقصود من هذا الكلام أن هناك جانباً نفسياً، وهو أن الإنسان قد يخاف الشيء إذا سمع به، لكنه لو عاناه وعايشه ووجده، لأحس أن الأمر أقل مما كان يخاف ويتوقع، والأمور يهون بعضها بعضاً.

أخي: كم رأيت ممن لاقى في سبيل المخدرات مثلاً، أو الفجور أو السرقة من الضرب والسجن والتشهير والتعذيب، بل ومن القتل، ومع ذلك فهم لا يزدادون إلا كثرةً وتوسعاً وتنامياً، فكيف تظن أن حملة الشريعة، وحماة العقيدة، وأهل الدين والتوحيد، والذين يطمحون إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، أن تخيفهم مثل هذه الأساليب، أو تحد من عزمهم، أو تقلل من عزتهم.

دخل الإمام أحمد رضي الله عنه السجن فضرب، فجاءه رجلٌ كان في السجن، وكان لصاً سارقاً، فقال له: يا أحمد، أنا والله ضربت في السرقة أكثر من أربعمائة سوط، وأنت تُضربُ في سبيل الله، وإنما هو السوط الأول والثاني ثم لا تحس بشيءٍ بعد ذلك، قال الإمام أحمد رحمه الله: فقوى هذا الرجل قلبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015