كل شيء بقضاء وقدر

لقد تمنى الرسول -وهو الرسول صلى الله عليه وسلم- الشهادة في سبيل الله، فقال وقد غادر أصحابه صرعى مجندلين يوم أحد تحت الجبل، قال عليه الصلاة والسلام: {والله لوددتُ أني غودرتُ مع أصحابي بحصن الجبل} وفي الصحيحين {لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} إنه لا يموت أحدٌ قبل أجله قط، فالأجل جنة حصينة للإنسان، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145] {وسألت أم حبيبة: اللهم متعني بزوجي رسول الله، وأبي أبي سفيان، وأخي معاوية، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله تعالى لآجالٍ مضروبة} وقال علي رضي الله عنه، وهو يخوض المعركة أي يومٍ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر يقول: أنا بين خيارين، إما أن يكون أجلي قد حضر فلا ينفع الحذر، وإنما يكون أجلي لم يحضر فلا تضرني الشجاعة.

وهذا قطري بن الفجاءة، يوقفك على هذا المعنى العظيم بأبياتٍ شهيرة مؤثرة، يخاطب نفسه: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تُراعي فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لكِ لم تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاعِ وما ثوب البقاء بثوبِ عزٍ ويطوى عن أخي الخنع اليراعِ ومن لا يغتبط يسأم ويهرم وتسلمه المنون إلى انقطاعِ وما للمرء خيرٌ في حياةٍ إذا ما عد من سقط المتاعِ إذا كانت حياة ذل وهوان وتأخر وجهل وضعة فليس للمرء فيها خيرٌ.

جاءت امرأةٌ للحجاج فقال لها: لأذبحن ابنك، وظن أنه بذلك يهددها، قالت له بلهجة المؤمن الواثق: إن لم تذبحه مات.

وجاء رجلٌ آخر، فقال له الحجاج: والله لأحصدنكم حصداً، قال الرجل للحجاج: أتحداك، أنت تحصد والله تعالى يزرع، ماذا تفعل يد الحجاج، إذا كان رب العالمين هو الزارع.

إن الإيمان بالقضاء والقدر، ومعرفة أن كل شيء مكتوب عند الله تعالى في لوحٍ محفوظ، لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص، إنه يمنح المؤمن ثقةً وصبراً وثباتاً واستقراراً في قلبه، فلا تخيفه الأشياء، والزعازع، والعواصف، والأحداث، والنكبات، والمصائب، كلا! لأنه يعلم أن كل شيءٍ مقدورٌ مكتوب، طعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال: [[وكان أمر الله قدراً مقدوراً]] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015