الاحتجاج بكثرة الدعاة وبالعجز

والبعض يعتقدون أن الساحة مليئة، وأن غيرهم قد قام بالواجب فيقول: الفقهاء والعلماء -بحمد الله- والدعاة كثير، وفيهم الكفاية وليس لنا مجال.

وأقول: أخشى أن مثل هذا الإنسان يأتي يوم القيامة مقبلاً ليدخل الجنة، فإذا رآها خيل إليه أنها ملأى فرجع وقال: رب وجدتها ملأى، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد الناس يفعل ذلك يوم القيامة {فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك الدنيا وعشرة أمثال الدنيا} فالمقصود أنه لا ينبغي لك أن تعتقد أن الساحة ملأى، بل الساحة فارغة تصفق، وهي أحوج ما تكون إليك، وأرجو أن تكون أنت الفارس القادم الذي يملأ فراغ هذه الساحة.

أمرٌ آخر: أنت مطالب -حتى ولو كانت الساحة ملأى- بأن تقوم بواجبك، فالله تعالى يقول: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:84] ويقول سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165] .

فما أعطاك الله ابتلاء واختبار، أتقوم به وتشكر أم تكون الأخرى؟ وكذلك قال الله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13] وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته} والحديث في الصحيحين، وفي الحديث الآخر عند الترمذي وسنده حسن إن شاء الله: {لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع} الحديث.

عليك أن تعتمد -إذاً- على إمكانياتك، وطاقاتك، وعلى ما أعطاك الله، وأن تقدم للناس نموذجاً عملياً بدلاً من أن تتكلم بلسانك، ولا يكلفك الله تعالى إلا ما أعطاك، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] .

والعجيب أيها الإخوة أن الكثيرين يحتجون بهذه الآية لأنفسهم ولا يحتجون بها على أنفسهم! فإذا قلت لفلان: يا فلان! ارفع هذا الكوب، قال لك: أنا لا أستطيع، والله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ونسي أنه يستطيع أن يقول: نعم أستطيع أن أرفعه، وهذا في وسعي والله تعالى كلفني وسعي.

فنحن لأننا لا نحب العمل -بل نحب القعود- نحتج بهذه الآية على ترك العمل ونقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وننسى أن هذه الآية من أعظم الآيات في تكليف الإنسان؛ لأن الآية نصها: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] لكن مفهومها: أن الله تعالى يكلف الإنسان كل وسعه وكل طاقته وكل جهده الذي يستطيع، فما بالك تأخذ بها في الترك ولا تأخذ بها في الفعل؟! لماذا تكون ورعاً -أيضاً- في ترك الأشياء ولا تكون ورعاً في فعل الأشياء؟! مثلاً: شك الإنسان في هذا الماء أنه قد يكون مكروهاً، فقال: أتركه على سبيل الورع، فهذا جيد، لكن إنسان آخر شك في أن هذا العمل قد يكون واجباً عليه، ربما تكون الإمامة -مثلاً- في حقك واجبة، أو الخطابة، أو التعليم، أو الدعوة، أو الأمر، أو النهي، أو النفقة، قد تكون واجبة، فلماذا لا تقول: من باب الورع أن أفعل هذه الأشياء خشية أن تكون واجبةً عليك؟! أو خشية أن تكون مستحبة في حقك؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015