فأحياناً نحن نلقي بالمسئولية على الشيطان ونتبرأ من معاصينا، والشيطان لاشك له دورٌ في إضلال الإنسان، ولكن كما قال الله تعالىحاكياً عن إبليس عندما يتكلم في الآخرة: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] فينبغي أن ندرك أن كيد الشيطان ما كان ليبلغ مداه وتأثيره لولا أنه وجد قلوباً أصغت إليه واستجابت له، ونفوساً قابلةً لأن تزرع فيها جراثيم الغواية والفساد، وهذا الشيطان نفسه وجد أقواماً عصوه وخالفوا أمره، فتحرروا من كيده وتلبيسه، حتى وصل الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له في شأن شيطانه قال: {إن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير} .
أسلوب التلاوم: من تحميل المسئولية للآخرين: أسلوب التلاوم.
وكون بعضنا يلوم بعضاً مبناه سوء الظن بالناس، لماذا ألومك؟ ألومك لأنني أعتقد أنك ما صنعت شيئاً، وأنت لماذا تلومني؟ تلومني لأنك تعتقد أنني مقصر! إذاً التلاوم هو نوع من تحميل المسئولية للآخرين، والفرار بالنفس، وأنت تجد أحياناً أن القائد يلوم الناس، فيتغنى ويقول: ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقتُ ولكن الرماح أجرتِ ويقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثَغْرِ أما المقود فإنه يتغنىَّ ويقول: تاه الدليلُ فلا تعجب إذا تاهوا أو ضيع الرَّكب أشباحٌ وأشباهُ تاه الدليلُ فلا تعجب إذا انحرفوا عن الصراطِ لِذات الشرك عُزَّاهُ تاه الدليلُ فلا تعجب إذا تركوا قصد السبيلِ وحادوا عن سجاياهُ والواقع أنه ينبغي أن يكون كل فرد منا قائداً قوياً عزيزاً منيعاً، يملك من الثقة بالله تعالى ثم الثقة بمواهبه وإمكانياته وطاقاته، وما أعطاه الله عز وجل ما يجعله يقول: أنا لها.
ويتصدى للمهمات والملمات، خاصةً أننا في أزمنة قد اختلط الأمر فيها.
فأنت تعرف -إن كنت من قراء السيرة- أن المسلمين خاضوا معركة مؤتة، وكانوا قليلاً بالقياس إلى جيش الروم الذي يقدر بمئات الألوف، والمسلمون كان عددهم آلافاً معدودةً محدودة، وفي بلاد غريبة، فواجه المسلمون معركة شرسة، واختلط الأمر وقتل القادة الثلاثة واحداً بعد الآخر، فاضطرب أمر المسلمين، ولم يكن لهم قائد، وكاد المسلمون أن يمنوا بهزيمة تأتي عليهم من آخرهم، مثل هذا الموقف يتطلب مبادرة شخصية، يتطلب واحداً يتخلص من كل الظروف النفسية، وكل المخاوف والأوهام ويتقدم، وفعلاً قام رجل من أهل بدر مجاهد -جزاه الله خيراً ورضي الله عنه- اسمه ثابت بن أقرم العجلاني، فتصدى للراية وحملها وقال: أيها المسلمون إليَّ إليَّ.
فاجتمع المسلمون حوله والتفوا وتوحدوا، فقال: اختاروا من بينكم قائداً.
قالوا: أنت لنا قائد.
قال: لا، أنا لست لها، أنا لا أستحق هذا، إنما أخذت الراية حتى تجتمعوا على رجلٍ واحد، فتشاور المسلمون واتفقوا على خالد بن الوليد، فحينئذٍ استطاع خالد أن يحول نصر الروم -بإذن الله تعالى- إلى هزيمة، وأن يحول هزيمة المسلمين إلى انتصار، كما حقق ذلك الأستاذ محمد الصادق عرجون في كتابه القيم خالد بن الوليد.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: {أخذ الراية سيف من سيوف الله تعالى ففتح له} المهم أن ثابت بن أقرم أخذ زمام المبادرة، هو لا يرى نفسه كفئاً للقيادة -أيضاً- وهو متواضع، لكن هذا التواضع لم يمنعه أن يمسك بالقيادة ويمسك بالراية، ولما اجتمع المسلمون وأنقذ الموقف قال: اختاروا من بينكم واحداً، فلما اختاروا خالداً سلم الراية إليه، ونحن اليوم أشبه ما نكون بحال المسلمين في معركة مؤتة، نحتاج إلى أن يكون كل فردٍ منا ثابتاً كـ ثابت بن أقرم العجلاني رضي الله عنه.