معيار الحكم على المجتمعات ومشكلة التغير

ما هو المعيار في الحكم على المجتمعات؟ هل هو الدول المجاورة أو القريبة أو البعيدة، أم هو الكتاب والسنة؟ لا شك أنه الكتاب والسنة، إذاً علينا أن نقيس أمر مجتمعنا على ما هو واجب في شريعة الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فنعرف كم نحن بعيدون عما هو واجب شرعاً؛ لنسعى ونبذل جهدنا في الوصول إلى ما هو واجب شرعاً، فإن أبيت هذا المقياس ولا أظنك تأبى وأنت إن شاء الله وقَّافٌ عند حدود الله؛ لكن إن أبيت قلنا لك: إذاً بدلاً من أن نقيس بغيرنا، لماذا لا نقيس المجتمع بما كان عليه المجتمع نفسه قبل عشر سنوات أو عشرين سنة؟ لندرك كم من رياح الفساد والانحلال والتغيير الخطير، هبت على هذا المجتمع وغيرته، وكم دخل هذا المجتمع من ألوان الانحراف التي لم يكن للناس بها عهد، وأصبحوا اليوم يألفونها ويستسيغونها، وقد كانت بالأمس منكرةً أشد الإنكار، ولا أريد أن أضرب الأمثلة، لأن هناك بعض الأمثلة قد تكون مثار عجب ودهشة عند الكثيرين، حتى في أشياء صغيرة جداً.

فالتدخين كمنكر محرم، قبل سنوات كان وجود إنسان يدخن في الأسواق أمراً مذهلاً مدهشاً، أما اليوم فقد أصبحت ترى الإنسان يدخن وربما لا تنكر عليه؛ لأنك تقول: انتشر هذا المنكر بصورة جعلتني لا أستطيع أن أنكر على كل من رأيت، ولو أردت أن أنكر لم أستطع أن أقوم بعمل من الأعمال الدنيوية ولا الشرعية؛ لأن هذا الأمر أصبح فاشياً منتشراً مشتهراً.

هذا مثل واحد قليل من عشرات بل مئات بل آلاف الأمثلة التي تدل على أن المجتمع أصبح يتغير، وأنا أقول لكم -أيها الإخوة- كلمة مختصرة: ليست المشكلة عندي في تغير المجتمع هي فقط مشكلة أن المجتمع أصبح مجتمعاً مدخناً في قاعدة عريضة من رجاله! ليست هذه هي المشكلة فقط، بل هناك ما هو أخطر من التدخين وهي المخدرات بأنواعها، وليست المشكلة عندي هي المخدرات فقط! وليست المشكلة هي كون الكثير من الناس أصبحوا يقضون أوقاتاً طويلة أمام التلفاز أو أمام أشرطة الفيديو.

هذه كلها مشكلات، لكن المشكلة الأكبر عندي أن عقليات هذا المجتمع قد تغيرت كثيراً، وأن قلوب الكثيرين قد تغيرت، وربما كانت أجهزة الإعلام من إذاعة وتلفزة وفيديو وصحافة ومقالات وكتب وغيرها، ربما كانت هي أحد الروافد التي ساهمت في تغيير عقول وقلوب أبناء هذا المجتمع!! وهذا التغير خطيرٌ جداً، والكثيرون لا يدركونه، فمثلاً: أي جهة قامت برصد تأثير أجهزة الإعلام على بناتنا؟! أعلم يقيناً أنه ليست هناك جهة قامت بهذا مطلقاً، لكن أنت -مثلاً- عندما تقرأ مقالاً لبنت في جريدة، أو تشاهد ظاهرة شاذة في مجتمعنا، في الشارع، أو في الطائرة، أو في متجر، أو في أي مكان، أو تسمع ظواهر في المدارس، أو في الأسواق، أو ترى أو تقرأ لبعض الكاتبات، أو تشاهد كما سوف أشير إلى قطرة من بحر في آخر هذه الكلمة، فإنك تندهش وتقول: من أين جاء هذا؟ أنا أقول لك: إن هناك جهاتٍ تسعى إلى أن يغير المجتمع من الداخل، أن تتغير العقول والقلوب والأخلاقيات؛ بحيث يصبح الفرد في المجتمع متذمراً من هذه القيود -التي يسميها قيوداً وهي أوامر شرعية- متبرماً منها مستثقلاً لها، وهناك جهات كثيرة تسعى إلى أن تكون البنت متضايقة من الحجاب الشرعي بكامل الزي متبرمةً منه، وهي تلبسه لأنه قانون، لكنها تتطلع إلى أن يأتي اليوم الذي يسمح القانون والنظام بإزالته لتقوم بإزالته! وهذا أمرٌ في غاية الخطورة، إذا كانت عقول الناس وقلوبهم ضد ما هو مستقر ومألوف ومعروف في المجتمع من دين الله تعالى وشرعه.

ومثل ذلك الشاب الذي تغير قلبه، وأصبح يتطلع إلى أن يأتي اليوم الذي يرى فيه ألوان الانحراف موجودة بمتناول يده وقال: لقد سئم الهوى في البيد قيس وملَّ من الشكايةِ والعذابِ يُحاول أن يُباح العشق حتى يرى ليلاه وهي بلا حجابِ فحينئذٍ ستجد مجتمعاً يتطلع إلى تغيير الأنظمة والقوانين التي تحكمه، وما أسهل أن تتغير إذا كانت إرادة الناس ورغبة جمهورهم بهذا الاتجاه! وهذا هو الأمر الخطير الذي يسعى إليه الكثيرون.

فينبغي أن ندرك أن هذه التزكية لمجتمعنا تحتاج إلى أن نعيد النظر فيها، وأن ندرس حال مجتمعنا اليوم، مقارنة بما كان عليه مجتمعنا قبل عشر سنوات أو عشرين سنة.

والذي يشاهد الأوضاع التي نعيشها الآن، يعلم أنه إذا دام هذا ولم يحدث له تغيير؛ فإن الأمور قد تكون أسوأ بكثير مما عليه مجتمعات أخرى كثيرة.

فإننا نعلم -مثلاً- أن تيار الانحلال في مصر أو في بلاد الشام أو غيرها، لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه اليوم بين يوم وليلة، بل قطع شوطاً خلال عشرين أو ثلاثين سنة، ولكنه بدأ بداية مبكرة، أما في بعض المواقع والمظاهر والأمور، فإن الإنسان يخاف ويخشى -إذا رأى سرعة التغيير- يخشى أن نختصر نحن المسافات، فما قطعه غيرنا في عشرين سنة ربما نحاول نحن أن نقطعه في خمس أو أربع سنوات.

قال الشاعر: هذا الزمان الذي كنا نُحدثه في قول عمرو وفي قول ابن مسعود إن دام هذا ولم يحدث له غيرٌ لم يُبك ميتٌ ولم يُفرح بمولودِ أما ما سوف أقوله لكم اليوم، وهو نصيب هذه الليلة، فإنني أسوقه لكم أيضاً باختصار:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015