الحيلة الرابعة: القناعة الوهمية، وإحساس البعض بأنه قد أدَّى ما عليه، وأنه لا مجال لطلب الزيادة أو تغيير الأحوال أو ما أشبه ذلك، فأنت تجد الكثيرين من أصحاب ثلاثين سنة وما فوق -ولعل أكثركم وأكثر المستمعين من هذه الطبقة- استقرت أحوالهم على أمور معينة، فإن جئته من الناحية الوظيفية وجدته قانعاً بوظيفته لا يطلب تغييراً جوهرياً فيها، وإن جئت من الناحية العائلية وجدته قد استقر أمره ولا يطلب أي تغيير، وإن جئت من الناحية التجارية وجدت أنه قد استقرت أموره المادية على مستوى معين لا يطلب فيه تغييراً، وهذا كله لا يعنينا، لأننا لا ندعوكم إلى التزود من الدنيا، وإنما ندعوكم إلى التزود من الآخرة، وإذا كانت الدنيا سبيلاً وذريعة إلى الآخرة، فتزود من الدنيا لأنها سبيل إلى الآخرة.
الذي ندعوك إليه هو أن تكون دائماً وأبداً متطلعاً في المجالات الشرعية العلمية والدعوية والجهادية وغيرها، وأن تكون متطلعاً نحو الكمال وألَّا ترضى بالواقع الذي تعيشه، ولا يكفينا أن تقول: أنا غير راضٍ بهذا الواقع.
بل نريد منك أن تسعى خطوة تدل على أنك تسعى في تغيير هذا الواقع.
هذا على المستوى الفردي، لكن على المستوى الاجتماعي أيضاً، لا أعتقد أن واحداً منكم اليوم إلا وقد سمع تلك الكلمة التي كثيراً ما تردد تزكية لمجتمعنا، الكثيرون يقولون: الحمد لله؛ مجتمعنا اليوم أفضل من المجتمعات الأخرى.
ويقصدون أن المجتمع في هذه البلاد أفضل من المجتمعات الأخرى، ولو نظرنا إلى الدول المجاورة، ولو نظرنا ولو نظرنا هذه التزكية لأفرادنا ولجماعاتنا ولمجتمعاتنا هي نوعٌ من الرضا بالواقع وتسويغ القعود، والواقع أننا ينبغي أن نقف بعض الشيء عند هذه التزكية.