الحيلة الثالثة: تطلب الكمال المطلق مع عدم السعي في تحصيله.
وهو الكمال الوهمي، لأن الإنسان -فرداً أو جماعة أو دولة- لا يخلو من أخطاء مهما بالغ في تحصيل الكمال، فالذين يريدون -مثلاً- أن تكون هناك دعوة إسلامية ناضجة سليمة (100%) هؤلاء يطلبون أمراً قد يكون تحقيقه صعباً ويتطلب جهوداً كبيرة، فلماذا أقعد وأنتظر دعوة كاملة؟! أو يطلبون -مثلاً- علماً غزيراً كبيراً حتى يقوموا بالدعوة إلى الله، هؤلاء يتطلبون كمالاً لا يحصلون عليه، أو إنسان -مثلاً- لا يقوم بالدرس أو بالمحاضرة، لماذا؟ لأنه يتطلب جمهوراً غفيراً يحضر له! هذا ليس بصحيح؛ لأنه كما يقول المثل الصيني: (رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة) .
فالدعوة الناضجة، أو الدولة الكاملة، أو الحضور الكبير، أو العلم الغزير أو غيره، كل ذلك يتطلب أن تبدأ أنت بذاتك، وأقصدك بعينك، أن تبدأ أنت بالخطوة الأولى إلى مجلس علم، أو دعوة، أو جهاد، أو إصلاح، أو نفقة في سبيل الله، أو غير ذلك من الأعمال الصالحة التي هي في متناول يدك.
وأحياناً يقعد الانتقاد بمثل هؤلاء عن العمل بحجة أن هذا العمل فيه نقص، وذاك العمل فيه نقص، وذاك فيه نقص.
ونحن نقول: النقد بذاته إيجابية، فمن الأعمال التي نُطالبك بالمشاركة فيها أن تنتقد نقداً حراً بناءً، وينبغي -أيضاً- مع النقد أن تعلم أن وجود العيب والخطأ لا يمنعك من المشاركة أبداً، وأنا أقول لك عن نفسي: أنا أشارك في أعمال أعلم أنها ليست على الكمال، فيما أرى، ولكن الكمال عزيز ونادر، ولو أن الإنسان لا يشارك في عمل ولا في خير إلا بعد أن يقتنع تماماً أنه ناضج (100%) وصالح (100%) ؛ لما عمل الإنسان خيراً قط، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في نصيحته العظيمة الغالية، التي رواها لنا البخاري عن أبي هريرة {سددوا وقاربوا وأبشروا} فينبغي أن تقبل المكاسب الجزئية، وتؤمن بأن الإنسان يعمل بحسب ما يستطيع، ويتعامل مع الواقع الذي يعيش فيه.