والجانب الآخر الذي أرى أنه مهم في موضوع الشمولية: هو ضرورة تغيير طريقة التفكير عند كثير من الشباب، فطريقة التفكير عند كثير من الشباب فيها أخطاء كثيرة، ومن هذه الأخطاء والانحرافات في تفكير بعض الشباب: تركيز اهتماماتهم على أمور جزئية حتى تشغل كل أوقاتهم، فكل وقته -مثلاً- أصبح مشغولاً بالحديث في المجالس الخاصة والعامة حول عشر مسائل هي كل ما لديه.
أما القضايا الكبرى الأصولية والمصيرية، وقضايا الأمة قد انشغل عنها الكثير منا بجزئيات وفرعيات لا يجب الاشتغال بها عن غيرها، فهذا من الخطأ في التفكير، والمصيبة أنه ليس خطأً فردياً، بل هو خطأٌ شامل، ومن خلال تطوافي على كثير من الشباب في عدد من البلاد الإسلامية ساءني جداً أن هذا الأمر موجود، وأن الاهتمامات قاصرة ومحصورة في قضايا جزئية تُعد على رءوس الأصابع، وما عدا ذلك ليس له في عقول كثير من الشباب أي موقع، وهذا خطر كبير، حتى قضايا العقيدة، وقضايا الأصول، وقضايا المنهج ليست معروفة.
وانحراف آخر في تفكير بعض الشباب يخل بالنظرة الشمولية التكاملية المعتدلة: وهو أن الشباب لا يعرفون أنصاف الحلول، فإما أن يعطوا الشيء: (100%) أو يعطوه: صِفْر%.
فإذا تكلموا عن شخص، إما أن يرفعوه فوق الثريا، أو يهبطوه تحت الثرى، فهم لا يقفون به عند حده الصحيح المعتدل.
وإذا تكلموا عن عمل من الأعمال، إما أن يكون هذا العمل عملاً كاملاً، أو لا شيء.
وإذا تكلموا عن كتاب من الكتب، إما أن يحولوا هذا الكتاب إلى كتاب شعوذة وخرافة، وإما أن يحولوه إلى كتاب أشبه بالكتاب المقدس، وهذا كله انحراف في التفكير، والغالب أن هذه الأمور التي يختلف فيها الناس أن الحق فيها هو الوسط التفصيل، وأن هذا الشخص الذي يختلف الناس حوله بين مُفْرِط ومُفَرِّط، له فضائل وحسنات، وله عيوب وسيئات، وهذا العمل الذي يختلف الناس فيه، سواءً كان جهاداً أو مشروعاً أو مؤسسة أو دعوة فيه فضائل وحسنات، وله أخطاء وسيئات، وهذا الكتاب الذي يختلفون حوله له إيجابيات، وله أخطاء وسيئات.