وكذلك التكامل في المجال العملي: -مثلاً- وأنتم تعرفون أن الخلاف بين الدعاة على أشده، ووعدتكم أنه إذا أتيحت لي فرصة أن أتحدث عن هذا الموضوع، لكن أشير الآن باختصار أن هناك من الدعاة من يهتم بالإصلاح الاجتماعي، مثلاً: إقامة جمعيات خيرية، ومدارس، ورعاية الأيتام، ومساعدة المحتاجين والإحسان إليهم، وما شابه هذا، فهذه لا شك أنها أعمال طيبة وعظيمة وهي من صميم الدين.
وطائفة أخرى من الناس تجدها تهتم بالجانب السياسي -مثلاً- وتتحدث عن قضية تطبيق الإسلام في واقع السياسات، وضرورة فرض الإسلام على الواقع، وفهم الواقع، وضرورة المناورات السياسية، والنزول للميدان، والتركيز على ما يسمى بقضية الحاكمية.
وطائفة ثالثة تجدها تهتم بقضية التعبد، وتطبيق السنة، وكيف يستطيع الإنسان أن يصلي كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي، أو يصوم كما كان صلى الله عليه وسلم يصوم، وهذه الأمور -مع الأسف الشديد أيها الإخوة- أصبحت الآن كأنها أضداد ينقض بعضُها بعضاً، وكل واحد يعمل عملاً ينتقد الآخرين، فهذا ينتقد هذا بأنه إنسان له أغراض سياسية، ويعتبر هذا مَسَبَّةً له، وهذا ينتقد إنساناً بأنه مشغول بقضايا العبادة، وكيف تركع؟ وكيف تسجد؟ ويترك السياسة للضالين والمنحرفين! وذلك يقول: أنا مشغول مع الفقراء واليتامى والموتى، وتكفين الموت وغسل الموتى؛ ليترك الأحياء، وهكذا كل إنسان أصبح ينتقد العمل الذي يقوم به الآخر، لكن الإسلام أشمل من ذلك كله، وهذه الأعمال كلها يمكن أن تندرج تحت الإسلام؛ بشرط أن تكون أعمالهم يكمل بعضُها بعضاً، ولا ينقض بعضها بعضاً، وليس هذا ينتقد ما قام به هذا، بل على الإنسان أن يفهم أن هذا الدين شامل، يريد من المسلم أن يقوم بهذه الأشياء كلها، وكل إنسان ناجح في تخصصه ومجاله الذي يثمر فيه، وما يتناسب مع طبيعته ومواهبه وإمكانياته وظروفه، وفي كلٍ خير إن شاء الله.
ولكن بشرط أن نعلم أن هناك القضايا العامة التي لا بد من أن تكون موجودة عند الجميع، مثل: قضية العقيدة الصحيحة، فهي لا بد أن تكون قاسماً مشتركاً عند الجميع، والعلم بفرض العين -كيف تصلي؟ كيف تصوم؟ فهذا فرض عين، يجب أن يعلمه الجميع- ثم بعد ذلك أنا أتخصص في دراسة السنة، ومعرفة التفاصيل، ودعوة الناس إليها، وأنت تتخصص في رعاية الأيتام وكفالتهم، وثالث يتخصص في بناء المساجد، ورابع يتخصص في أمور من هذا القبيل، والأمر في ذلك واسع، وقل مثل ذلك في قضية الجهاد، والجهاد اليوم هَمٌّ من أكبر الهموم التي يعانيها المسلمون، فقد تجدُ أن المسألة صارت على طرفي نقيض، إما أن نخرج جميعاً للجهاد، وإما أن نثبط المجاهدين ونحط من عزيمتهم وقدرهم، فالجهاد باب من أبواب الجنة، بل إن فيها مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن أنواع التجديد العملي: التجديد في ميدان الجهاد، ولا شك أن للمجاهدين الأفغان قصب السبق في هذا الميدان، فقد ظل المسلمون فترة منذ سقوط الحكم العثماني وهم لا يسمعون بقضية الجهاد، اللهم إلا أن يكون دفاعاً عن النفس في حدود ضيقة جداً، بل إن قادة الجهاد بحركتهم المباركة رفعت رءوس المسلمين، ونفخت الكرامة والعزة والحماس في الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، فأصبحنا نسمع تحركات في فلسطين، وفي اليمن الجنوبي، وفي إريتريا، وفي الفلبين، وفي مناطق كثيرة جداً، حيث انتعش الناس وتحركوا لقضية الجهاد في سبيل الله، فهذه قضية مهمة، ولا يعني ذلك أنه عندما أكون مؤيداً للجهاد أنه من الضروري أن أذهب للجهاد، أو أعتبر أن الجهاد هو المقياس الصحيح وأن كل الناس من الضروري أن تكون مجاهدة، فنحن بحاجة إلى مجاهدين، وهذا صحيح، لكن لا يعني التقليل من جانب المتخصصين في العلم الشرعي، فالعلم الشرعي من أعظم أنواع الجهاد، والدعوة إلى الله تعالى من أعظم أنواع الجهاد، ومقارعة العلمانيين الشيوعيين في بلاد الإسلام من أعظم أنواع الجهاد، فالجهاد ليس ميداناً واحداً فحسب.
وقد ذكرت آنفاً الأمر الثالث: وهو الشمول والتكامل في الجانب العلمي، وأخذ العلوم كلها، وفي الجانب العملي القيام بالأعمال كلها، فليس بالضرورة أن شخصاً واحد يقوم بالأشياء كلها، لكن المهم أن يكون عنده تصور صحيح؛ حتى يعذر الناس فيما يعملون، وتكون هذه قاعدة لتوحيد وجمع كلمة المسلمين.