الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك موضوع بل موضوعات مهمة جداً لطالب العلم، فأبدأ -إن شاء الله- من هذه الليلة بالعرض أو التعرض لهذه الموضوعات ولو بشيء من الاختصار، لعل أن يكون فيها فائدة ونفع -إن شاء الله- وهناك موضوعان متقابلان مهمان، سيكون الحديث عنهما بإذنه تعالى لأسابيع عديدة، الأول منهما: أعذار أهل العلم في ترك العمل بسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم -أعذار العلماء في ترك العمل بحديث من الأحاديث أو سنة من السنن- ويدخل فيه الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين أهل العلم، ويقابله موضوع آخر يمكن أن أختار له عنواناً حول مثالب الطلاب، وهو إشارة إلى آفات طالب العلم التي تعترضه ويلزم التنبيه عليها للحذر منها، ومن هذه الليلة إن شاء الله يكون البدء بالموضوع الأول وهو: الأسباب التي تجعل بعض أهل العلم يتركون العمل بحديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
والذي دعاني إلى طرح هذا الموضوع ما أراه في واقع كثير من طلبة العلم في هذا العصر من الجرأة على العلماء، ورميهم -أحياناً- بالألفاظ القاسية الشديدة، التي لا تتناسب مع مقدارهم ومكانتهم وجهادهم في سبيل الله عز وجل.
وعلى سبيل المثال بين يدي الآن كتاب يقول فيه مؤلفه في مقدمته: وإنه من المؤسف المحزن أن من الناس من يدينون بأديان أئمة مذاهبهم، ومشايخ طرقهم، ثم يقول: ألا فليعلموا أنه لا دين إلا دين الكتاب والسنة، وأئمة المذاهب يأخذون من التوراة والإنجيل أو من أين؟! ثم يقول: وأن التقليد الأعمى من غير دليل كفر بالله العظيم، ولقد آن الأوان لكي نحطم هالات التقديس وتيجان الربوبية التي وضعت فوق رءوس أئمة المذاهب ومشايخ الطرق -ومما يلفت النظر أنه جمع بين أئمة المذاهب ومشايخ الطرق وشتان بينهما- ثم يقول في صلب الكتاب وهو يتعقب الشيخ الألباني في أحد المسائل حين تكلم الشيخ عن موضوع الإيمان واختلاف الناس في مسماه قال -تعقيباً على قول الشيخ الألباني: إن العلماء اختلفوا في ذلك اختلافاً كثيراً- قال هذا المتعقب: إن اختلاف الناس في مسألة من المسائل يرجع إلى أنهم لم يدينوا بدين الكتاب والسنة، وإنما دانوا بأديان أئمتهم ومشايخهم، فلا بد من الاختلاف حتماً، أما دين الله -دين الكتاب والسنة- فليس فيه ذرة اختلاف قطعاً ويقيناً، يقول الحق تبارك وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ثم يقول: فعلمنا يقيناًَ أن الذي من عند غير الله فيه اختلافاً كثيراً -كذا كتبها ملحونةً فهو لا يفرق بين المبتدأ والخبر، والفاعل والمفعول- وعلمنا يقيناً أن الذي من عند الله وحده ليس فيه ذرة اختلاف، ثم قال: وأهدي إلى القارئ الكريم بحثٌ -الصواب (بحثاً) لأنه مفعول به منصوب، بحثاً- من دين الكتاب والسنة لمسمى الإيمان والإسلام، ثم جاء بما فهمه هو من النصوص واعتبره هو دين الكتاب والسنة.
ومثل هذا كثير في هذا العصر، أصبحت تجد كثيراً من الناس يتجرءون على الأئمة والطعن فيهم، وأنهم لم يختلفوا إلا لأنهم لم يدينوا بدين الكتاب والسنة، وهذا يوجب أن نعرف وخاصة ونحن ندرس -بحمد الله- مسائل على ضوء الكتاب والسنة، ونعرض فيها لأقوال الأئمة المتبوعين وغيرهم، فلا بد أن نعرف ما هي الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف هؤلاء الأئمة أو تركهم لعمل بحديث من الأحاديث.