جواز كون الكنية هي الاسم

وأحياناً قد تكون الكنية هي الاسم، وليس للرجل اسم، من ذلك: أبو عمير في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخٌ اسمه أبو عمير، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا في بيتنا فيضاحكه ويمازحه ويلاعبه، فجاء يوم من الأيام وأبو عمير قد خثرت نفسه وخارت وضعفت، فقال عليه الصلاة والسلام: ما شأن أبي عمير؟ قالت أمه - أم سليم -: يا رسول الله! قد مات النغير -النغر: العصفور الذي كان يلعب به مات- فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وضاحكه وداعبه، وقال له: يا أبا عمير: ما فعل النغير؟ فقال: مات يا رسول الله} وكان حزيناً لموت عصفوره، وهذه القصة طريفة، فيها فوائد وأوابد وعجائب، حتى ذكر فيها ابن القاص الشافعي أكثر من ستين فائدة، فقال: قد يظن البعض أنه ليس لها فائدة، بل لها أكثر من ستين فائدة فقهية وأدبية وغيرها، واستطرد في ذكر الفوائد، ثم قال: ومن لطائف فوائد هذه القصة: أن العلماء يختلفون في استنباط الفوائد والعبر منها كما يقول الله تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] هكذا يقول ابن القاص أي: هي قصة واحدة، لكن العلماء يتفاوتون في الاستخراج والاستنباط منها.

وقد ذكرها الحافظ ابن حجر، ثم أضاف إليها فوائد أخرى كثيرة، ومن الطرائف المتعلقة بهذه القصة ما رواه الحاكم في علوم الحديث عن أبي حاتم الرازي الإمام المشهور المعروف، أنه قال: جزى الله أخانا صالح بن محمد كل خير -وصالح بن محمد هذا كان يلقب بـ جزرة عند المحدثين، وسيأتي إن شاء الله في الألقاب، وجزرة هذا من الألقاب التي اشتهر بها وعرف بها- فيقول أبو حاتم: جزى الله أخانا صالح بن محمد جزرة كل خير، فإنه لا يزال يباسطنا حاضراً وغائباً.

أي يمازحهم ويضحكهم فيما لا إثم فيه.

يقول: إنه لما مات الذهلي أقاموا شيخاً يحدثهم ويروي لهم الحديث، وكان هذا الشيخ اسمه مَحمِش، بفتح الميم الأولى وكسر الميم الثانية -هكذا ضبطها العلماء كـ ابن حجر وغيره- فيقول: إن هذا الشيخ روى لهم حديث أنس في قصة أبي عمير وأخطأ فيه في عدة مواضع منها أنه كان يقول: فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: {يا أبا عمير ما فعل البعير} فصحف في الموضعين.

الموضوع الأول: الاسم، ففتح العين، بدلاً من عُمير جعلها عَمير، والموضع الثاني: اسم الطائر، فبدلاً من النغير -النغر العصفور المعروف- سماه البعير، وهذا ليس له علاقة بالموضوع من قريب ولا من بعيد.

وهو دليل على جواز تكنية الإنسان قبل أن يولد له، وهو لايزال صبياً -كما سبق- وقد روى الحاكم وغيره بسند صحيح، وأحمد من حديث صهيب أن عمر قال له: [[مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى]] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015