وكذلك من الأحكام المتعلقة بالكنى هو جواز التكني بالبنت، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في الإصابة وغيره، لأسماء طائفة كثيرةٍ جداً من الصحابة، عرفوا بأسماء بناتهم -كنوا ببناتهم- لعل من أشهرهم: أبو رقية وهو تميم بن أوس الداري وهو أول من قصَّ في عهد عمر، فكان يجلس إلى الناس ويذكر لهم القصص ويعظهم، وكان نصرانياً فأسلم، وله من المناقب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم روى عنه -كما في صحيح مسلم- قصة الجساسة حيث صعد عليه الصلاة والسلام على المنبر وقال: {إن تميماً حدثني وذكر قصة الجساسة} وهي قصة طويلة مشهورة، رواها النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري، ومن فضائل تميم هذا رضي الله عنه: أنه كان عابداً زاهداً طويل القيام بالليل، وقد ذكر مسروق بسند صحيح أنه جاء يوماً إلى مكة -إلى الكعبة- فقال له رجل من أهل مكة: هذا مقام فلان، أي: أن تميم بن أوس الداري كان يقوم في هذا المكان ليلة كاملة بآية من كتاب الله تعالى ويرددها ويبكي، وهي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] .
فكان يقرأ هذه الآية ويرددها ويبكي حتى الصباح، وله فضائل كثيرة مذكورة في موضعها.
وممن كني بابنته: أبو لبابة، وأبو أروى، وأبو أسماء، وأبو هند، وأبو أمامة، وأبو جميلة، وأبو صفية وهو مهاجري مولى لرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو هند كان حجاماً لبني بياضة، ومثله أبو طيبة وكان حجاماً، حجم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مولى لـ محيصة بن مسعود.
وهذه الأسماء، يحتمل أن تكون أسماء لرجال، فقد يسمى الرجل بأسماء، وقد يسمى الرجل بهند، لكن الغالب عليها أنها أسماء إناث، فدل على أنه لا بأس بأن يكنى الرجل باسم ابنته، أو باسم أنثى على سبيل الإجمال.