ذكر من كناهم الرسول صلى الله عليه وسلم

النقطة الثانية في موضوع الكنى: ذكر من كناه الرسول صلى الله عليه وسلم: أولاً: الرسول صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بن شعبة بـ أبي عيسى -كما سبق-.

ثانياً: الرسول صلى الله عليه وسلم كنى أبا الحسين علي بن أبي طالب،كناه بـ أبي تراب، كما في صحيح البخاري، ومسلم، عن أبي العباس سهل بن سعد رضي الله عنه: [[أن رجلاً جاءه، فقال: ألا تسمع ماذا يقول أمير المدينة على المنبر في علي بن أبي طالب؟ قال: وماذا يقول؟ قال: يقول: أبو تراب - أي يعير علياً أنه أبو تراب وكان هذا في عهد بني أمية؛ لأنهم كانوا على علي رضي الله عنه، حتى كانوا يسبونه أحياناً على المنابر، ومن ذلك أنهم يلقبونه بـ أبي تراب على سبيل الحط من شأنه، غفر الله لهم ورضي الله عنه -فضحك سهل بن سعد، وقال: والله ما كناه بهذا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان له كنية أحب إليه من أبي تراب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها زوج علي، فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: يا رسول الله! كان بيني وبينه شيء فغاضبني - غضب منها فخرج، وكان من عادته أن يخرج لئلا يتكلم عليها بسوء رضي الله عنه وأرضاه، لما يعلم من شدة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لها، ومكانتها عنده فذهب ونام في المسجد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وهو نائم في المسجد، وقد انحسر رداؤه عن ظهره، فأصابه التراب، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي- يقعد علياً ويحث التراب عن ظهره، ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب]] فكان علي يفرح بهذه الكنية، ويفتخر بها، وإن لم تكن تدل على مدح وإنما هي كنية من واقع حاله، لكنه كان يفرح بها، لأنها من الكبير للصغير، لأنها من الرسول صلى الله عليه وسلم، والشيء إذا جاءك ممن تحب صار عزيزاً عليك، ولو لم يكن ذا قيمة، فالأمر اعتباري.

فالرسول صلى الله عليه وسلم كنى علياً بـ أبي تراب فكان علي رضي الله عنه يحب هذه الكنية.

فهذه من الكنى التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه، وأما تعيير بني أمية لعلي بهذا، فهذا لا يضره، فهو كما عير أهل الشام عبد الله بن الزبير، حين قالوا له: يا ابن ذات النطاقين، فضحكت أسماء، وقالت له: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها أي: هم يعيرونك بأنك ابن ذات النطاقين، وذات النطاقين هي أسماء وإنما سميت بذلك؛ لأنها في الهجرة شقت نطاقها، وهو الذي تعتجر به المرأة وتتحزم به، فجعلت نصفه لفم القربة، وتحزمت بالنصف الآخر -تمنطقت بالنصف الآخر- فسميت بـ ذات النطاقين، فهذا مفخرة لها ومدح لها ومدح لابنها، وهو أن يقال له: يا ابن ذات النطاقين.

وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها فقالت له أمه ذلك، فهذا كتعيير بني أمية لـ علي بن أبي طالب بقولهم: أبا تراب.

ومن الكنى التي أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أطلق على عائشة أم عبد الله، فقد روى أبو داود بسند صحيح أن عائشة رضي الله عنها قالت له: {يا رسول الله! كل صواحبي لهن كنى، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: تكني بابنك عبد الله بن الزبير} وهو ابن أختها، فصارت تكنى أم عبد الله، وهذه كنية أمنا، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أم عبد الله على عبد الله بن الزبير، وذهب بعضهم إلى أنه كان لها سقط سمي عبد الله، وهذا لا يصح، بل الصحيح أنها كنيت بذلك، ذهاباً إلى ابنها عبد الله بن الزبير فهو ابنها باعتباره من المؤمنين، وهو ابن أختها أيضاً.

ومن الكنى التي أطلقها الرسول عليه الصلاة والسلام أبو شريح لـ أبي الحكم، حيث كانت كنيته أبا الحكم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {ألك ولد؟ قال: نعم، قال: من أكبرهم؟ فقال: شريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأنت أبو شريح} .

ومن الكنى التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم: أبو عبد الرحمن، فإنه كنى ابن مسعود.

بـ أبي عبد الرحمن، كما رواه الطبراني بسند صحيح، عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: {إن النبي صلى الله عليه وسلم كناني بـ أبي عبد الرحمن قبل أن يولد لي} فهذه من الكنى المستحبة، والتي أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود.

ومنها أيضاً إن صحت كنية أبي رقاد -والرقاد هو النوم- فقد ورد عند الواقدي، والواقدي متكلم فيه، بل هو متروك، وإن كان عالماً بحراً في السير خاصة، لكن ذكر الواقدي: أن في غزوة الخندق -الأحزاب- أن زيد بن ثابت كان يحمل التراب، فأصابه نعاس فنام، فجاء رجل من الأنصار اسمه عمارة بن حزم، فأخذ سلاحه على سبيل الممازحة والمداعبة، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: {يا أبا رقاد، نمت فذهب سلاحك} ومن يومئذٍ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الرجل متاع أخيه جاداً ولا هازلاً، فإن ذلك يحزنه.

فلو صحت هذه الرواية لكانت كنية أبي رقاد من الكنى التي أطلقها النبي عليه الصلاة والسلام، على سبيل المداعبة لـ زيد رضي الله عنه وأرضاه، وزيد -كما يقول أهل السير-: كان فكهاً في بيته، وقوراً في مجلسه، فإذا جلس في بيته كان صاحب دعابة ومزاح ومضاحكة لأهله وأولاده وجلسائه، وإذا كان في مجلسه كان وقوراً جليلاً فخماً في عين من حوله.

ومن الكنى التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم -إن صح أيضاً- كنية أبي هر ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هر} وقد روى البغوي بسند ضعيف، أن أبا هريرة قال: {سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وكناني أبا هريرة} ولكن هذا ضعيف، والأصح ما رواه الترمذي بسند حسن أن أبا هريرة قال: [[إنما سميت أبو هريرة؛ لأني كنت أرعى لأهلي، وكان معي هرة صغيرة، فكنت أضعها في شجرة في الليل، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، وربما وضعتها في كمي فسماني الناس أبا هريرة]] ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا هر، فـ أبو هريرة رضي الله عنه كان يقول -كما روى البغوي أيضاً بسند جيد- كان يقول: [[لا تسموني أبا هريرة لكن سموني: أبا هر، فإن الذكر خير من الأنثى، وليس الذكر كالأنثى، وإن أبا هر هو الاسم الذي ناداني به ودعاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم]] .

فهذه بعض الكنى التي أطلقها الرسول عليه الصلاة والسلام على بعض أصحابه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015