لقد نادى الإسلام بإيجاد مجتمع متميز, وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالهجرة, وفي القرآن الكريم تجد أن الله عز وجل في أكثر من موضع ذكر ثلاثة أمور، مركب بعضها على بعض: الإيمان، ثم الهجرة، ثم الجهاد، وذلك في أكثر من موضع: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} [الأنفال:72] فبعدما يوجد الإيمان يلزم أن يدعوك ويحدوك هذا الإيمان إلى أن تهاجر إلى حيث يقام مجتمع مسلم، وهذا المجتمع يحمل على عاتقه مسألة الجهاد: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:72] فهي أمور مركبة بعضها على بعض.
حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين -بريء من كل مسلم يدخل في الإسلام ثم يظل مع المشركين ولا يهاجر -قالوا: ولم يا رسول الله؟ قال: لا ترائى ناراهما} .
يعني: أبعد عن المجرم حتى أنك لا ترى ناره لو أوقدها, وهو لا يرى نارك لو أوقدتها من شدة بعدك عنه.
فهذه قضية مهمة جداً.
وكذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وغيره عن سمرة بن جندب، يقول صلى الله عليه وسلم: {من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله} .
وكلمة جامع تحتمل معنين: المعنى الأول: أنه اجتمع معه في مكان، وعايشه، وعاشره، وساكنه، فإنه مثله.
المعنى الثاني: هو الزواج, والمعنى المعروف للجماع هو الزواج من المشركة، وأنه لا يجوز، ويستثنى من ذلك الزواج بالكتابية، كما هو معروف، مع أنه أمر غير محمود العواقب, وله سلبيات خطيرة بعيدة المدى.
والمهم أن بقاء المسلم بين أظهر المشركين خطر كبير, وليس صحيحاً أنك تتمتع بالحرية في هذه البلاد, هناك حرية نسبية بلا شك ولا مجادلة في الحقائق، ولا نغالط أنفسنا, لكن ينبغي أن نفتح أعيننا أيضاً على قضية الدين, فكثير من الأحيان عندما تجلس إلى الإخوة الذين يدرسون في بلاد غير إسلامية مثلاً، تجد أنه يضطر إلى أمور معينة، كصعوبة مراعاة أوقات الصلوات، وأنه لا يستطيع أن يصليها في أوقاتها, وتجده يشتكي لك من قضايا التأمين وأنه مضطر إلى ذلك، وتجده يشتكي من قضايا الاختلاء بالنساء، ومن قضايا مصافحة النساء، ومن قضايا النظر إلى النساء، وألوف القضايا التي يشتكي منها.
وهذه القضايا هل تدل على أن هناك حريات؟ في الواقع لا, وهذه تدل على أن المسلم لا يستمتع بالحرية الحقيقية, لأن المسلم حريته الحقيقية هو المكان الذي يعبد الله فيه, ليست الحرية فقط أن تتكلم.
يا أخي! أصحاب الكهف ماذا قالوا؟! كما قال الله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف:16] والكهف أضيق مكان في الدنيا، ومع ذلك قالوا: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف:16] .
سبحان الله! ينشر معناه شيء واسع وكبير, وهو كهف ضيق لا يكاد يتسع إلا لهم، لكن يشعرون فيه برحمة الله عز وجل؛ لأنهم يتمكنون فيه من عبادة الله تعالى.
ومع ذلك فإن هذه الحرية التي تمنح للمسلمين نحن نعلم يقيناً أنها حرية ما دام الإسلام لم يتحول في هذه البلاد إلى خطر يهدد المصالح اليهودية والنصرانية, وإلا سيحرك الجميع كلهم ضد الإسلام, ولعلكم الآن بدأتم تحسون بشيء من المكر اليهودي في هذه البلاد ضد العرب المسلمين, وضد المسلمين بشكل عام.
وفي فرنسا أيضاً أصبح هناك أحزاب، ترتفع أسهمها يوماً بعد يوم, وهذه الأحزاب أهم ما تنادي به هو التخلص من الأجنبي, ومعروف من هو الأجنبي! ولقد رأيت صور زعيم هذا الحزب تملأ الشوارع، وأخبرني الشباب الصالحون هناك أن مؤيدي هذا الحزب يزدادون يوماً بعد يوم, وقضية الفتيات المغربيات معروفة ولا أحتاج إلى الوقوف عندها.
إذاً: هي حريات نسبية، وهي حريات مؤقتة, ويوم أن يصبح الإسلام قوة تُخاف، ويحسب لها حساب في البلاد غير الإسلامية, لن يترددوا أبداً في مقاومة أي وجود إسلامي حقيقي بكل ضراوة, وهذه قضية أود أن أقف عليها ولكن يؤسفني أن الوقت لا يتسع لها, مع أنه سبق لي أن تكلمت عنها تفصيلاً في محاضرة بعنوان: حي على الجهاد.
وهي أنَّ عِدَاء الكافر للمسلم عِدَاء ليس فيه حيلة، ولا تتصور أن هذا العِدَاء سوف ينتهي يوماً من الأيام, ولا تتصور أن هذا الكافر سوف يتخلى عن دينه، أو يتخلى عن عداوته لك, فإن عدواته لك مغروسة ولا بد.
ولهذا أتعجب أشد العجب من بعض الأطروحات الفقهية، التي يطرحها بعض فضلاء الصحوة الإسلامية والتي تتعلق بهذا الجانب، فتجده ينزل آيات وأحاديث في الحث على الجهاد.
إنّ هذا ضعف وهزيمة, وقد قرأت كتباً كثيرة، وقرأت أطروحات فقهية عديدة في هذا المجال! فتجد أنها تطرح قضية الجهاد بضعف, والواقع أننا يجب أن نأصل القضية.