التشبه بالمشركين

من صور الولاء: التشبه بالمشركين.

والله عز وجل قد حذر فقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} [الحديد:16] الكاف في (كالذين) للتشبيه: {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] فالتشبه بالمشركين أياً كانوا لا يجوز في أي أمر من الأمور, إلا اقتباس العلم، والتقدم الصناعي، وأخذ التقنية عنهم، والمعلومات المفيدة، فهذا لا يدخل في التشبه, وإذا دخل في التشبه فهو جائز بأدلة خاصة، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ حفر الخندق عن فارس, وكما أنه صلى الله عليه وسلم استفاد من بعض الملاحظات الموجودة في مجتمع فارس والروم, كما قال صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: {لقد هممت أن أنهى عن الغيل -وهو وطء المرأة وهي ترضع- ثم رأيت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضرهم} فاستفاد النبي صلى الله عليه وسلم من تجربة موجودة عند فارس والروم.

فهذه قضية لا حرج فيها، ولا غبار عليها, بل بالعكس أن الحكمة ضالة المؤمن، يبحث عنها في أي مكان ويأخذها, ونحن أولى بهذا منهم، ومع هذا فهذه بضاعتنا ردت إلينا, وهذا تراثنا، وهذا تاريخ الأمة وحضارتها، الغرب وطورها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه, فنحن أحق بها وأهلها.

لكن التشبه بالغرب في كل شيء، كالهدي الظاهر، في اللباس, وفي الزي, وفي تسريحة الشعر, وفي طريقة الحديث, وفي طريقة الحياة, وفي طريقة إحياء المناسبات, وفي كل الأمور الخاصة بهم.

والتشبه ضابطه: هو تقليد الآخرين فيما هو من خصائصهم بمعنى أن هناك أموراً مشاعة في الشعوب، لا تخص شعباً ولا أمة دون أخرى، بل هي مشتركة عند الجميع، هذه لا يدخل فيها التشبه, لكن التشبه يطلق على الأمور التي هي خصائص شعب من الشعوب، بمعنى أنك إذا رأيت الأمر تقول: هذه العادة يفعلها الكفار أو اليهود أو النصارى! فيكون خاصية تميزهم عن غيرهم، فالتشبه بهم في هذه الخصائص التي تميزهم عن غيرهم لا يجوز، وهو نوع من الولاء لهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر، الذي رواه أبو داود وأحمد، وغيرهما، وسنده جيد: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم} .

فالمسلم مستقل، وقد يكون العمل في الأصل مباحاً، لكن لما صار من خصائص المشركين أصبح حراماً؛ لأن الذي يقلده في هذا الأمر يعيش هزيمة داخلية وهزيمة قلبية وهزيمة فكرية, وبالتالي أصبح يقلد هؤلاء ويأخذ ما عندهم, والأصل أن المسلم قدوة، يأخذ عنه الآخرون، فكيف يرضى الأستاذ المعلم أن يصبح مقلداً تابعاً ذليلاً لغيره؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015