تعريجٌ على مفاهيم العلمانية

وتجد الأحزاب العلمانية، التي تنادي بفصل الدين -لا أقول عن الدولة، أو السياسة فحسب, بل تنادي بفصل الدين- عن الحياة, فتجدهم يقولون: إن الدين ليس له علاقة بالفن, ولا علاقة له بالإعلام, ولا علاقة له بقضايا المرأة, ولا علاقة له بالاقتصاد, ولا علاقة له بالسياسة, الدين فقط علاقة بين العبد وربه! وهذا مفهوم كنسي نصراني معروف، وهو أن المسلم يصلي في المسجد -لا مانع- أو في الزاوية أو في المعبد أو في الكنيسة، وكل إنسان بحسبه, لكن يبقى الدين فيما سوى ذلك موضوعاً على الرف, ولا يستفتى في أي شأن من شئون الحياة! ومن الطريف أني أذكر تصريحاً لبعض رموز العلمانية في إحدى الدول الإسلامية، كان يقول: "إن الدين أشرف وأعظم وأنظف وأنقى من أن نقحمه في السياسة".

إذاً: هو حرص على بقاء الدين، لكيلا يصبح الدين ملوثاً بألاعيب السياسة وأحاديثها ومكرها, فأحب أن يكون الدين بعيداً حتى يبقى نظيفاً, فلا تصيبه الأوساخ السياسية الماكرة الخبيثة! فيقول: الدين أنقى وأنظف وأعظم وأطهر من أن نقحمه في السياسة فنلوثه بذلك, فيبقى الدين للجميع! ولعل الكثير سمع مقولة: (الدين لله والوطن للجميع) ومعنى ذلك أن القضية قضية وحدة على أساس الوطن.

والدين مُبْعدٌ، ولا علاقة له بهذه القضايا السياسية, أو القضايا الاجتماعية, وهذه أيضاً نظرة كنسية واضحة.

والأحزاب العلمانية، والحكومات العلمانية في العالم الإسلامي ظاهرة ولا تحتاج إلى بيان, وقلت في بعض المناسبات: إننا نحصي عدداً من البلاد الإسلامية سقطت في أيدي الكفار الصرحاء، مثلاً: أفغانستان سقطت في أيدي الشيوعيين, وكذلك الأندلس من قبل, وهناك فلسطين سقطت في أيدي اليهود, وهناك بعض الدول الإفريقية سقطت في يد النصارى, وقد تكون أربع أو خمس دول إسلامية سقط في أيدي الكفار الصرحاء المعلنين.

لكن هل نستطيع أن نحصي كم من دولة إسلامية سقطت في أيدي المنافقين، المستسمين بالعلمانيين؟! لا نحصي، ويكفي أن تعرف أن أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، تُحكم بما يسمى بالبانتيلا، الذي ينادي بوحدة الأديان، وأن المسلم لا يسمح له أصلاً في جمعية، أو مؤسسة أو جامعة أو غير ذلك إلا بشرط أن يقر بهذا النظام، الذي يعترف بوجود اليهود، ووجود النصارى, ووجود البوذيين، والباطنيين، وجميع الطوائف، وأن هؤلاء إخوة في وحدة وطنية منسجمة، لا يكدّر صفوها مكدّر, وهذا شرط لكل إنسان يعمل.

وتجد أن أجهزة الإعلام قد يعطون المسلمين -الذين يشكلون أحياناً مائة وأربعين أو مائة وثلاثين مليوناً، نصف ساعة في ليلة الجمعة, ويعطون النصارى نصف ساعة في ليلة الأحد, ويعطون الباطنيين نصف ساعة في يوم الثلاثاء وهكذا! ثم تكون العطلة في يوم الأحد، فهذه الجماهير المهدرة لماذا؟! إنه لا يمكن تفسير ذلك إلا بالولاء للمستعمر، الذي خرج بجنوده وأسلحته، وأبقى من يكون أكثر إخلاصاً له من أبناء البلاد الأصليين, وهذا يذكرني بقول أحد المستشرقين حيث كان يقول: إن شجرة الإسلام لا تجتث إلا بغصن من غصونها.

والنظريات الغربية التي غزت المسلمين اليوم، سواء في واقعهم العملي أو في جامعاتهم أو في عقولهم وأدمغتهم كثير، ولو ذهبنا نستطرد في الحديث عنها لاحتجنا إلى وقت طويل ولم نصنع شيئاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015