الولاء الفكري للأعداء

من صور الولاء أيضاً: الولاء الفكري للكافر, والولاء الفكري يأخذ صوراً شتى: الصورة الأولى: عدم وصف غير المسلمين بالكفار: لعل من مظاهر هذا الولاء الفكري أننا أصبحنا نسمع نغمة غريبة وخطيرة في نفس الوقت، تنادي: يا إخواننا! لا داعي لِمثل هذه العبارات القاسية!! كيف تصفون الغرب بالكافر! وتصفون الأمريكي بالكافر! أو الفرنسي بالكافر! أو اليهودي بالكافر! أو النصراني بالكافر! فتجدهم يقولون: هذا لا يصح! وهذا لفظ غير حضاري.

وهذا الكلام لا يقوله دهماء الناس, بل إنني -في الواقع- قرأت في كتب ومقالات لناس يسمون بمفكرين إسلاميين -إن صح التعبير-! وأذكر كاتباً كتب كتاباً كاملاً عن هذه القضية، ويدافع فيه عن اليهود والنصارى، بل كُتبٌ في الواقع, ومنها كتاب اسمه: تجديد المجتمع العربي وهو ليس صريحاً في هذا الكلام، لكن من قرأه يحس بهذه النغمة، وهناك ناس أكثر صراحة ممن ينتسبون إلى العلم، نادوا بهذا الأمر يوماً من الأيام.

وفوق هذا وذاك كتبت عدد من المجلات، أذكر منها مجلة العربي، فقد تبنت هذا الموضوع بشكل قوي، وكتب فيها عدد من الكُتَّاب، أذكر منهم فهمي هويدي وغيره, فتجدهم يتحدثون عن -ما يسمونه- المسلمين والآخرين, ويقولون: أديسون هوالذي اخترع أريت الكهرباء التي في بيتك، فكيف نقول أنه كافر؟! وأيضاً الميكرفون الذي نتكلم فيه -الآن- من صنعهم فكيف تحكم بأنهم كفار؟! وهذا غريب جداً! وكيف اضطربت المفاهيم إلى هذا الحد؟! فهذه القضية قضية دين، وهذه من القضايا التي يسميها أهل العلم: من المعلوم من الدين بالضرورة, وهي قضايا أجمعت الأمة عليها، وبدهيات ومُسَلَّمات، والشك فيها يعني الشك في الإيمان.

بمعنى أن كل إنسان يشك في كفر اليهود أو كفر النصارى أو في كفر المشركين؛ أنه يشك في قضايا بدهية مسلمة، ولا أتصور إنساناً مسلماً يقع منه هذا الأمر؛ لأن القضية واضحة ومحسومة في القرآن الكريم وليست هي مسألة للاجتهاد, فالمخالفة في قضايا جزئية وفي مسائل فرعية تُتحمل, لكن المخالفة في قضية جوهرية أصلية في صلب الدين لا يتصور هذا في أي حال من الأحوال!.

وقضية الإسلام والكفر قضية واضحة جداً، ولماذا أنت تدعو إلى الإسلام ما دام أنك ترى أن اليهودية حق والنصرانية حق، والمشركون على حق، إذاً اترك الأمة على ما هي عليه, ولا داعي لأن تقوم بدعوة إلى الإسلام! وكأن بعضهم يقول: إن الحق نسبي، وهذا هو مؤدى كلام صاحب كتاب: تجديد المجتمع العربي، وصاحبه هو زكي نجيب محمود , فمفهوم الكلام أن القضايا هذه نسبية، فالإسلام حق بالنسبة لك واليهودية حق بالنسبة لأصحابها، والنصرانية حق بالنسبة لأصحابها.

إذاً: إذا كان الإسلام -وهو حق- حَكَمَ على الديانات السابقة بأنها ديانات منسوخة، وأن هذا الدين بعث مهيمناً على الديانات السابقة وناسخاً لها, وأن الأنبياء لا يسعهم -لو وُجدوا- إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم, وأن الله تعالى لا يقبل من الناس إلا هذا الإسلام الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم, فإن إقرارك بأن الإسلام حق يعود على كلامك بالإبطال من الأصل, لأن الإسلام الذي تعترف به أنه حق وتؤمن به، يقول لك: إن تلك الديانات باطلة، فإما أن تقر بأن كلام المسلمين هنا حق, فترجع عن قولك, وإما أن تكفر بالإسلام والعياذ بالله، وبناءً على ذلك لك أن تقول ما شئت: {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} .

فهذا نوع من الولاء الفكري للغرب الذي جعلنا أسرى له، حتى تخجل من إطلاق لفظ الكفر عليهم, فقد نسميه الغرب المستعمر، أو الغرب الصليبي، أما كلمة كافر فإنها أصبحت ثقيلة على نفوس الكثيرين, ويستحون من إطلاقها.

والله تعالى قد أطلقها في كتابه على طوائف من الناس, بل لو حسبت كم مرة ورد لفظ الكفر والكافرين والكفار لوجدت مئات المواضع, وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم والأمة كلها، فما معنى أن نستحي اليوم من استخدام هذا المصطلح الشرعي، الذي ذكره الله تعالى في كتابه، وذكره الرسول عليه الصلاة والسلام؟! الصورة الثانية: تبني الأفكار الغربية في بلاد المسلمين: ومن الولاء الفكري للغرب أننا نجد من يتبنى الأفكار الغربية في بلاد المسلمين, ويتبنى نظريات الغرب أياً كانت في أي مجال, كالنظريات الاقتصادية، فإنك تجد الدراسات الاقتصادية في العالم الإسلامي كله بلا استثناء؛ دراسات مبنية على الدراسات الغربية, فلا يوجد -في حدود علمي- دراسات اقتصادية علمية صحيحة تدرس للناس في أي جامعة من الجامعات, وهناك أقسام تسمى بأقسام الاقتصاد الإسلامي، لكن حتى هذه الأقسام -أحياناً- تجد نفسها مضطرة إلى أن تدرس الاقتصاد الغربي؛ لأنه لا يوجد أحياناً المادة الكافية! ولكن المهم أن هناك من يتبنى هذا الاتجاه، ويتحمس في ربط اقتصاد المسلمين بالاقتصاد الغربي, بحيث أصبح مستقراً في أذهان المسلمين أنه لا يُتصور اقتصاد إلا بالربا, وإذا ألغيت البنوك الربوية فإنه لا يكون هناك اقتصاد! فالكثير من الناس لا يتصور وجود اقتصاد إلا قائماً على أساس البنوك الربوية, وهذا -مع الأسف- من ضغط الواقع على المسلمين وشدة تأثيره عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015